بديني أفتخر وبأمتي أعتد وبمنتماي أعجب

بديني أفتخر وبأمتي أعتد وبمنتماي أعجب
بديني أفتخر وبأمتي أعتد وبمنتماي أعجب

الأربعاء، 11 يوليو 2012

مجدي الحاج - السودان هبة النيل - من مقالاتي الصحفية


   يقول "ونستون تشرشل" رئيس الوزراء البريطاني الأسبق والحائز على جائزة نوبل للآداب في عام 1953م مصورا العلاقة الخالدة بين النيل والنخلة وبين السودان ومصر في كتابه التوثيقي "حرب النهر" : "إذا نظر القاريء إلى خارطة النيل سوف يلاحظ على الفور الشبه الكبير بين النيل وشجرة النخيل، في أعلى الشكل تمثل الأرض الخضراء الخصبة الدلتا، الفروع والأوراق الخضراء تهفهف في كبرياء، الجذع في انحنائه، النيل أيضا ينحني إنحناءة جبارة وهو يسير عبر الصحراء، جنوب الخرطوم تكتمل أوجه الشبه، جذور النخلة تمتد داخل السودان بعمق لا يمكنني أن أتخيل أي تصوير لمدى العلاقة الخاصة والعاطفة التي تربط مصر بالسودان أو المديريات الجنوبية للقطر، الماء وهو حياة الدلتا يأتي من السودان ويمر على مجرى النيل كالعصارة تجري داخل ساق الشجرة لتطرح محصولا طيبا رطبا على أعالي النخلة، المنافع لمصر لا جدال عليها ولكن مصر لا تستفيد وحدها، مزايا الإرتباط وامتيازاته هي منافع مشتركة، إذا كان السودان قد وضعته جغرافيته وطبيعته أن يكون مكملا لمصر فإن مصر لا تقل أهمية لتنمية السودان، ما هي فائدة الجذور والتربة الغنية إذا ما قطعت الساق وهي مصيرية لانتشار العطر في الأجواء".

   ويبقى للنيل القدح المعلى، واليد الطولى، في حياة البلاد التي يجري خلالها، فلولاه لما قامت لها قائمة أو سكنت بها ساكنة، فهو يجري كخيط من الحرير الأزرق المتألق في قلب الصحراء الملتهب الذي يمتد بلا حدود، والذي يضاعف فيك الشعور بالوحدة والعزلة التي سرعان ما تتبدد بالحنان القادم من أشجار النخيل، فهي ترانيم مضيافة عزفتها يد القدرة الإلهية على مر العصور، وهي اللوحة القادمة من الجنان لتمحو ما سقط من الجحيم، ولتنقع غلة الأرض التي تحترق من عطش العصور الذي لا يرتوي، قال تعالى: "وجعلنا من الماء كل شيء حي"،  فما من مشهد واحد يمكنه أن يمنحنا دليلا معتبرا على تقهقر الشمس وانهزام الوهج القاتل إلا ويكون النيل في قلبه النابض، وفي أرض يكون الجمال فيها هو جمال اللحظة المفعمة بحب الجمال، يأتي النيل سلسالا عذبا ليمسح دمعة الحزن والأسى المزروعة في اللانهاية، فالأرض تتضرع بكل صدق ويقين طلبا للماء الذي هو روح الحياة وسرها المكنون، فليس عجيبا أن يكون النيل هو عنوانها بعد ذلك في أرض السودان التي تختصر بالإحتراق صفحات الوحشة والقسوة ومناورات السراب.

   وقد استطاع  شاعر الحب والجمال والخلود التيجاني يوسف بشير أن يخلد النيل في قصيدة رائعة تنضح عذوبة ورقة، وترقص من هيامها المفضوح بحب النيل والأرض والنخيل والتاريخ فهو يقول:
    
أنت يا نيل يا  سليل   الفراديس         نبيل    موفق    في    مسابك
ملء  أوفاضك الجلال  فمرحى         بالجلال المفيض  من أنسابك
حضنتك الأملاك في جنة الخلد         ورفت على  وضيء  عبابك
وأمدت  عليك  أجنحة  خضراء       وأضفت  ثيابها   في   رحابك
فتحدرت في  الزمان  وأفرغت       على الشرق  جنة من رضابك
بين  أحضانك  العراض  وفي         كفيك  تاريخها  وتحت  ثيابك
مخرتك القرون تشمر عن ساق       بعيد   الخطى   قوي  السنابك
يتوثبن  في   الضفاف    خفافا         ثم يركضن  في  ممر شعابك
عجب أنت صاعد في مراقيك        لعمري أو هابطا في انصبابك
مجتلى  قوة  ومسرح    أفكار        ومجلى عجيبة   كل    ما بك
كم  نبيل بمجد ماضيك مأخوذ         وكم  ساجد   على    أعتابك
عفروا نضرة الجباه    ببراق       سني    من    لؤلؤي     ترابك
سجدا ذاهلين  لا روعة  التاج       ولا زهو   إمرة   خلف    بابك
واستفاقوا       يا   نيل   منك        لنغام شجي   من آلهي   ربابك
وصقيل في صفحة الماء فضفاض       ندي   منضر   من   إهابك
وحروف ريانة في اسمك النيل       ونعمى   موفورة  في   جنابك
فكأن   القلوب   مما   استمدت        منك سكرى مسحورة من شرابك
أيها   النيل  في القلوب  سلام        الخلد وقف على نضير  شبابك
أنت في مسلك الدماء    وفي       الأنفاس تجري مدويا  في  انسيابك
إن نسبنا إليك في عزة الواثق        راضين   وفرة   عن  نصابك
أو  رفلنا  في  عدوتيك  مدلين       على  أمة   بما   في    كتابك
أو عبدنا فيك   الجلال     فلما       نقض حق الذياد عن محرابك
أو نعمنا بك الزمان  فلم   نبل       بلاء الجدود في صون  غابك

   لذلك فإن أرض السودان بحق هي هبة النيل وليس مصر وحدها كما قال المؤرخ اليوناني المشهور هيرودتس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق