من تصميمي تقديرا للأديبة السودانية الفذة نائلة فزع
عندما يتمدد
الحلم ويشرئب لدفء الأمان في هذا العالم المكفهر من معطيات الأسى وهدهدة الأحزان،
وعندما تتسع دائرة التأمل اللا نهائي والجامح في خاطر المنسيين، حينها تشتعل
الفكرة داخل حدود الذات وأحيازها المتعددة، فتحرق كل ما هو لصيق بها من تضاريس العالم
الخارجي المتسع، فتتمحور الرؤى وتتجسد الأحداث مخبرة عن أمثل طريقة مبتكرة يمكن من
خلالها خلق معادلة الاتزان المفقودة في دنيا الفوضى وعوالم الفوضويات.
إن الذات الواعية تحلم بالتسامي عن رغباتها
المحتدمة حد الاشتعال، فقد تطال براكينها بذرة الحلم المنغرسة في حنايا الأرض البكر
التواقة دومًا إلى تنامي زرعها المخبوء وإثماره المرتقب، فتكتمل دائرة العطاء بدءًا
من رحم الأرض الأم، ومرورًا على سواعد بنيها الأوفياء، واعتمادًا على فروع تحمل
بعضها مساندة لأصل الفكرة بالرأي السَّديد ومرمى الاقتناع بوجهة النظر المغايرة،
وصولاً إلى ذات متخفية تنبري في خجل وهي تعلن عن ميلاد حب جديد أو إحياء ذكرى قديمة
قد درست كأطلال من تباريح السراب.
وما بين الغوص في أعماق منسية من ألم التاريخ
وتاريخ الألم، وما بين الوعد بلحظات تكون أكثر دفئًا وحميمية مستغرقة في الفرح،
تنساب بواعث الوجد معلنة أن رحلة البحث عن الذات التي تتماهى بأثر رجعي، قد عفا
عليها الوقت وداعبها السنا والبريق، ففي رحلة البحث الغوصية تلك، انبرت براعم
ذكراها المنتشية بالرقة والتجلي، حاملة بذرة عشق أبدي تبحث عن كينونته
الميتافيزيقية، وتبحث عن مرافئ جدلية تسكن في ليل معتم من غيهب الغربة أحالته إلى
ضوء في الطريق لكي تؤكد أن بالإمكان بزوغ فجر يحمل البشرى.
وخلال رحلتها في فضاءآت
العدم، تعثرت فجأة ثم نهضت وطارت مجددًا فحطت في فضاء من نبض الوجود الرحب متجاوزة
تلك الدائرة المغلقة لكي توحد ذاتها مع ما تبحث عنه من بذور الطموح لكي تغرسها في
ذات الرحم المعطاءة والموسومة مجازًا بالأرض الأم. وهناك حيث قاومت هذه البذرة كل
المناخات العابرة كتلك القادمة من وحشة الصحراء وتفلت المدار الاستوائي، فتنامت
البذرة الفكرة وتسامقت برأيها واشرأبت أغصانها تبحث عن نور الحقيقة القابع في دهاليز
الذات التي تحلم بالوصول إلى أعماقها المنسية، وتغوص بأمان وتستخرج كل ما ادخرته
من أيام فاضت بالخير والمنى لتروي به قحط السنوات المحذور.
فهل جربت يا ترى في يوم من الأيام الغوص في
أعماقك المنسية ممارسة واحترافًا؟!، وهل يا ترى حاولت أن توقظ أحلامك من سبات عميق
قد فُرض عليها قهرًا وقسرًا؟!، ثم ساعدت أنت في ردم غبار الذكريات المؤلمة حوله
وكأنك تستبدل سهد الليالي بنوم الآمال وتزييفها المخدر!!!، وكأني بك تعيش في ظلام
وإعتام تام بينما يوجد بين يديك زر صغير وبمجرد أن تضغط عليه فإنه يملأ أرجاء وجدانك ضوءًا واستبشارًا. ينير لك هذه
اللجة الهوجاء التي تسبح فيها مضطرًا من غير مجداف أو دليل، ربما تخطئ في محاولة
الوصول إلى مرافئ يمكنك من خلالها أن تفضح مخزونك من العشق المتقد والأمل الوهاج،
فقط حاول ولو لمرة، أن تغوص في هذه الأعماق المنسية بتروٍ ورحابة صدر لأنك حتمًا ستجد هناك من هي تقبع في ركن قصي من أركانها السحيقة، فقد أرهقها الحزن مثلك
وأتعبها البشر الذين لا يرون فيها إلا تلك المرأة التي كان من الممكن أن تكون لهم
بلا تردد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق