خرجت كعادتي عند نهاية ذلك اليوم قاصدا أداء صلاة المغرب في جماعة، ولكني هذه المرة كنت قد قررت التوجه إلى مسجد آخر غير مسجد "ابن القيم" القريب من منزلي، علما أن مسافة ليست بالقصيرة تفصلني عن هذا المسجد، ولم يكن هذا القرار سوى نوع من أنواع كسر الرتابة والملل الذين قد يتصاحبا مع الصلاة المستمرة في مسجد واحد، وهو أمر قد يحصل كثيرا معي أو مع غيري.
وبحمد الله عز وجل فقد وصلت في وقت مناسب قبيل الآذان والإقامة، وبمجرد الإنتهاء من أداء الصلاة المكتوبة قررت قرارا آخرا وهو الجلوس في المسجد لبرهة من الوقت تسبق عودتي إلى المنزل حتى أتمكن من قراءة ما تيسر لي من القرآن الكريم طمعا في الثواب من لدن المولى عز وجل، فتناولت أحد المصاحف من أحد الرفوف المخصصة عادة لوضع المصاحف في المسجد، فكانت المفاجأة الصادمة بالنسبة لي ألا وهي منظر المصاحف المؤثر سلبا في هذا الرف، إذ أن أغلبها غير مرتب بشكل يليق بحرمة كلام الله عز وجل، بل كان ترتيبها في الرف ترتيبا عشوائيا، وقد علق الغبار بأغلفة بعضها، بينما تمزقت أغلفة وصفحات داخلية من البعض الآخر، فقلت في نفسي والحنق والحسرة يملآني ويح اللجنة المسؤولة عن إدارة شؤون هذا المسجد إن كانت أصلا موجودة، بل ويح إمامه ومؤذنه، بل ويح الحي الذي يوجد فيه المسجد كله، فمنظر المصاحف في الرف منظر مزعج ومثير للحفيظة جدا، فعرفت أنها تعاني من هجر مقيت حذر منه الله عز وجل على لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في الآية الكريمة: "وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا".
فحاولت ترتيبها قدر الإمكان، ونفضت الغبار عنها حتى اتسخت يدي وتلوث كم جلبابي، فنفضتهما هما أيضا حتى نظفا نسبيا، ثم تناولت أحد هذه المصاحف وذهبت للجلوس في أحد أركان المسجد.
وعند فتحي للمصحف كدت أصعق هذه المرة من مفاجأة أخرى هي أشد نكاية ووبالا من سابقتها، إذ أنني وجدت في الصفحتين الداخليتين لغلافيه كتابات غزلية ممجوجة ورسما رمزيا لقلب العاشقين المتيمين، وهي على ما يبدو لفتى مراهق، ووجدت أيضا تمزقا في أحد الصفحات كما يظهر تماما في الصورة المرافقة لهذا المقال، فغضبت أشد الغضب ولم أجد إلا الله عز وجل حتى أشكو إليه سوء الحال في أمة المسلمين وأبرأ إليه مما فعل السفهاء فيها قائلا: "ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا".
وشعرت حينها بمرارة عظيمة وحيرة كبيرة، فكان أن ألهمني الله عز وجل تصوير هذه المهزلة التى يعاني منها هذا المصحف بكاميرا هاتفي النقال بغرض إنكارها والتحذير منها، فوضعت المصحف الموجود بين يدي بعد أن صورت الصفحات المعنية في مكان بارز، ثم هرولت مسرعا لأقرب مكتبة من المسجد واشتريت مزيلا للحبر الجاف، وعدت إلى المسجد مرة أخرى، وقمت بشطب الكتابات الممجوجة التي فيه والحمد لله حتى سكنت نفسي وهدأت ثائرتها.
وقد عرفت فيما بعد أن حلقة لتحفيظ القرآن الكريم تقام في هذا المسجد، ولعل الفاعل يكون فتى غريرا من المسجلين فيها، لم يتأدب بأدب التعامل مع كتاب الله عزوجل، كما علمه شيخه أو أهله أو هكذا يفترض أن يكون، ثم قمت بعدها باستقصاء الحكم الشرعي للكتابة السيئة على المصاحف من مصدر موثوق فكان الحكم كما يلي:
ما هو حكم الكتابات السيئة على المصاحف من قبل البعض؟
هذا العمل لا شك في حرمته لما فيه من إهانة واستخفاف بكلام الله فهذه الكتابات محرمة في جميع الأحوال، فكيف إذا كانت على المصاحف، والواجب على كل من رأى كتابة على مصحف من المصاحف أن يمحوها بأي طريقة ممكنة؛ تعظيما لكلام الله، وصيانة له من عبث السفهاء، والجهال، وهذا من إنكار المنكر حسب طاقة المسلم.
ويوصى المسلمون والمسلمات بالمحافظة على كلام الله، واحترام المصاحف، وكذا الكتب التي فيها آيات وأحاديث، وذكر لله تعالى من أسمائه وصفاته، وإذا تمزقت أو تلفت أن يختاروا لها مكانا طاهرا أو يدفنوها، أو يحرقوها، ويدفنوا أثرها فمثل هذه الأمور لا ينبغي التساهل فيها.
ومن هنا فإنني أقترح أن يتم تشكيل لجنة في كل مسجد من مساجد المسلمين تكون مهمتمها صيانة المصاحف وحمايتها من الإمتهان بأي شكل من الأشكال، وتجليدها وإصلاحها وترميمها قدر الإمكان، مع تنظيفها ونفض الغبار العالق عنها وتطيبيها وترتيبها بما يتماشى مع حرمتها وقدسيتها عند المسلمين، وإعداد الرفوف والخزانات والحاويات المناسبة لحفظها، والتخلص من التالف منها والذي لا يمكن إصلاحه تخلصا لائقا، والأمر ليس عسيرا مقارنة مع أهمية الأثر والنتيجة المرجوين من وراء هذه تشكيل اللجنة.
وفقنا الله عز وجل للعناية بكتابه العزيز والعمل به والتحاكم إليه في كل شؤون الحياة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين آمين.
وفقنا الله عز وجل للعناية بكتابه العزيز والعمل به والتحاكم إليه في كل شؤون الحياة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق