أبَّشر
أصلها أبو البشر، وهو سيدنا آدم عليه السلام بلهجة السودانيين، بينما يقول البعض الآخر
من أهل السودان لمن تسمى باسم أبي بكر أبَّكر على نفس المنوال، بينما بعضهم الآخر يقول
بابكر، وقد حكى البروفسير عبد الله الطيب رحمه الله حكاية هذا الشيخ في إحدى
كتاباته قائلا:
"والشيخ
أبشر هذا كما يزعم الزاعمون في فتوار على مقربة من شاطيء النيل الأيسر شمال مدينة
بربر، حيث يوجد قبره وقبر ابنته بشرية، رجل صالح وفد من المغرب العربي، - وقد يكون
هذا صحيحا - ذكروا أن أبشر كان قد جاء حجرة النيل قبل المغرب وفرطته المركب - هكذا
في لهجة أهل الدامر أي فاتته المعدية، وفرطته فصيحة جدا-، وكانت قريبا، فصاح
بالناس فلم يردوها إليه استصغارا لأمره، فوضع كما قيل فروته على الماء، ووضع ابنته
معه فوقها، فإذا هما يشقان الماء كاللنش بلا موج ولا تيار ولا آذي كما تفعل
اللنشات، ووصلت المركب، وأقبل من فيها على الولي الصالح يتضرعون، وفي غرب الدامر
بوادي أب سلم بيان لأبشر وابنته بشرية".
ومثل
هذه الأحاديث كثير لا تخلو منه قرية أو محلة في أرض السودان ككل وبالأخص المناطق
الشمالية منه، لكن بالله عليكم كيف يتسنى لإنسان مهما بلغت درجة صلاحه، وقربه من
الله عز وجل، وهو ليس نبيا مؤيد بمعجزة، أن يمشي فوق الماء سواء بقدميه أو على
فروته كما يزعمون؟!، فهذا الكلام هراء وتغرير شيطاني كما يحسب، ولا منطق شرعي
يسنده، فالأولياء المتقدمين في الصلاح إن كانت لهم كرامات وخوارق، فإن الأصل
الشرعي فيها، أن الولي المزعوم يستحي من كراماته كما تستحي المرأة الحائض من دم
حيضها، والولاية لله عز وجل هي التي ذكرت في قوله تعالى: "ألا إن أولياء الله
لا خوف عليهم ولا يحزنون O الذين آمنوا وكانوا يتقون O لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة O"، وذكرت في الحديث
القدسي: "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب"، لا تقتصر على فئة معينة من
الناس، وإنما هي ولاية عامة لكل مؤمن متق كما فصلت الآية الكريمة السابقة، وشرح
ذلك أهل العلم الراسخون فيه، ولسنا من المعادين لأولياء الله عز وجل كما قد يفهم
البعض من السذج، الذين يتأولون الكلم بغير مبتغاه، ولكننا أعداء لتغرير الشيطان
الرجيم، وعداوتنا له من قبل أمر مفروغ منه.
وقد
قال أبو القاسم الجنيد رحمه الله عز وجل وهو من أعلام الصوفية الحقة المتقدمين: "أمرنا
هذا ميزانه الشرع، فإذا رأيتم الرجل تربع في الهواء، أو مشى في الماء، فزنوه
بميزان الشرع، أو ردوه إلى الشرع فإن وافقه قبل وإن خالفه رد"، وقد قال الله
عز وجل في محكم تنزيله: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول
وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله
واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا".
وعليه
فإن العاقل الفطن في زماننا هذا هو من يزن أخبار المتصوفة في السودان وفي غيره من
البلدان وقصصهم وحكاياهم الكثيرة جدا بميزان الشرع، حتى يتبين له صدقها من كذبها،
ومن هذه القصص مثلا أحاديث تقال وتروى عن نبي الله أو العبد الصالح الخضر عليه
السلام، والذي يزعم الزاعمون أنه يأتي متنكرا في هيئة رثة كهيئة الشحاذين
والمتسولين، والويل كل الويل لمن لا يعطيه عطاء، أو يجيب مسألته، والحقيقة أنه عند
وزن هذا الموضوع في ميزان الشرع، يتبين لنا مدى سخافة فكرته، وهلهلة نسيجه، وضعف
حبكته، فالمتصوفة الجاهلون الذين ليس لهم نصيب من الفقه، يقولون أنه حي موجود للآن
من زمن سيدنا موسى عليه السلام، وكأنهم لم يسمعوا لمقولة الإمام مالك: "من
تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن جمع بينهما فقد
تحقق"، ومن قبله قال ابن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما: "عالم واحد أشد
على الشيطان من ألف عابد"، وهذه بطبيعة الحال حقيقة ماثلة، فبالله عليكم
خبروني كيف يتسنى للخضر عليه السلام الحياة إلى هذا الزمان، والرسول صلى الله عليه
وآله وصحبه وسلم يقول في الحديث الشريف: "ما من نفس منفوسة في هذه الأرض، إلا
وتموت على رأس هذا القرن"؟!، وبرواية أخرى لنفس الحديث: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على
رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد، قال ابن عمر: فوهل الناس في
مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك فيما يتحدثون من الأحاديث عن مائة سنة
وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد
يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن"، رواه مسلم، وقد كان هذا القرن في
عهد النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
ومن الجدير بالذكر أن بعض الدراسات تشير إلى أن كلا من
الخضر وموسى عليهما السلام قد كانا يعيشان في أرض السودان، وأن الخرطوم
هي مجمع البحرين وإن كان هذا الموضوع مجهولا حتى لغالب أهل
السودان فإنه معروف عند علمائهم، وعندما كان الإستعمار الإنجليزى في السودان, قام
الإنجليز بقلع الصخرة التي كانت بجزيرة توتي الكائنة وسط البحر بالعاصمة السودانية
الخرطوم ويعتقد أنها الصخرة التي نسي فيها يوشع بن نون فتى موسى عليه السلام الحوت
المملح, قاموا بقلعها وأخذها لخارج السودان - بريطانيا والله اعلم - وهي الصخرة
التى يعتقد اليهود أنها تقع جوار نبع ماء الحياة الذى أحيى حوت موسى - السمكة
المملحة والمعدة زادا لطعامهم عليهم السلام –
وكما هو معروف فإن السودانيين ما زالوا يطلقون اسم الحوت على الأسماك وصياد السمك
يسمى الحواتي فى أغلب مناطق البحر والنيل بالسودان، وهذه
المعلومات معلومات ضمنية, لكن أصلها واقع وموجود فعلا و يمثل نتائج بحوث ودراسات ببعض
الجامعات ومراكز البحوث السودانية.
وقد شرب
الخضر عليه السلام من ماء الحياة التي أحيت الحوت دون موسى عليه السلام لذلك فهو
حي كما يعتقد البعض من السودانيين وغيرهم، وإذا افترضنا حياة الخضر عليه السلام
لتلك الفترة، أو بعدها بقليل، وذلك لظن آل البيت المكرمين بحياته بعد وفاة النبي
صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فقد روى الشافعي في مسنده أن النبي صلى الله عليه
وآله وصحبه وسلم لما مات، وأصاب أهل بيته من المصيبة ما أصابهم، سمعوا قائلا يقول:
"يا آل بيت رسول الله، إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا
من كل فائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب"، فكانوا
يرونه الخضر عليه السلام جاء يعزيهم بالنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وهذه
الحادثة لا تتناقض مع حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم السابق، لأن القرن قد لا
يكون انتهى بالحساب من حديث النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وعليه فإن الخضر
عليه السلام سيكون قد مات بكل تأكيد عند نهاية هذا القرن، وانتهت حياته التي لم
تحسب بدقة، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطق عن الهوى، قال تعالى: "وما
ينطق عن الهوى O إن هو إلا وحي يوحى O علمه شديد القوى O".
والحقيقة
أن قصة حياة الخضر عليه السلام قصة متداولة كثيرا عند أهل التصوف في السودان وفي
غيره من الأقطار، ويدندنون حولها كثيرا ويزعمون التقاء أوليائهم المزعومين به في
أكثر من مناسبة، ويستشيرونه ويأخذون منه فتاويهم وأكثر، إلا أن الأدلة الشرعية
تنفي هذا الإدعاء جملة وتفصيلا، وفيما يلي نقل من موقع ملتقى أهل الحديث
الإلكتروني لبيان هذه المسألة بقلم "نضال دويكات" جزاه الله عنا وعن
الإسلام كل الخير على اجتهاده:
"أهمية إثبات أن الخضر
قد مات
نحن حين نهتم بهذه المسألة لا
نقاتل طواحين الهواء بإثبات أن الخضر مات، فإن من وراء إثبات موت الخضر إنقاذا لعشرات
المئات بل الألوف من المغفلين، الذين يأخذون دينهم من هؤلاء الشياطين الذين
يتمثلون بصورة الإنسي فيأخذون منهم الفتوى، إذا: لماذا جاء النبي عليه الصلاة
والسلام، إذا كنت تأخذ فتواك من الخضر؟ لقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى
في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورقة كما رواه أحمد في مسنده من حديث جابر ،
قال: (ما هذا يا عمر؟ قال: ورقة من التوراة كتبها لي رجل من اليهود - صفحة من
التوراة يقرأها عمر - فغضب النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: أمتهوكون فيها يـا ابن
الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء ناصعة، والله لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي)،
فلو سلمنا أن الخضر موجود، وأنه حي فكيف يتبع؟ وكيف تؤخذ منه الفتوى؟ وموسى عليه
السلام الذي هو بإجماع الخلق أجل من الخضر ولا شك في ذلك، لو كان موسى حيا ما وسعه
إلا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، أفيتبع الخضر المشكوك في حياته بل المقطوع
بأنه مات؟ إن في إثبات أن الخضر مات حلا لعقدة الزندقة الأخرى التي يعيش عليها
ألوف المغفلين.
الأدلة على أن الخضر مات
الخضر مات لا شك في ذلك، والدليل على ذلك أربعة أشياء:
القرآن، والسنة، وإجماع المحققين، والمعقول.
أقوى حجة للقائلين بأن الخضر
حي
لقد اطلعت على أغلب الحكايات حتى أقف على دليل ننصف به
القائلين بأن الخضر حي فما وجدت شيئا يعتمد عليه، وأقوى ما ذكروه ويذكرونه ما ذكره
ابن عساكر في تاريخ دمشق بسند صحيح عن أبي زرعة الرازي وهو أحد الأعلام الكبار
والجبال الرواسي في الحفظ رحمه الله قال: قابلني رجل في الطريق شيخا له هيئة وسمة،
قال لي: يا غلام، لا تغشى أبواب الأمراء والسلاطين ثم غاب عني، ثم لقيني بعد ما
كبرت بنفس هيئته، فقال: ألم أنهك أن تأتي أبواب السلاطين، قال: وما رأيته بعد ذلك،
قال أبو زرعة: فوقع في قلبي أنه الخضر، وليس هذا بدليل؛ إذ أننا نقول: كيف عرفت
أنه الخضر؟ قالوا: لأنه قال: لم أره بعد ذلك، أي: أنه اختفى في الحال، بمجرد أن
قال له هاتين الكلمتين اختفى وبعد ذلك ما رآه. فنقول: هل قول أبي زرعة: (لم أره
بعد ذلك) يحتمل هذا فقط، أم يحتمل أنه لم يقابله بعد ذلك؟ الجواب: يحتمل الإثنين،
إذا: لماذا أخذت هذا وتركت ذاك؟ كما يقولون: ليس حبا في علي ولكن بغضا في معاوية،
هم يبحثون عن أي دليل، ونحن نذكر (أدلتهم) تجوزا، وإلا فهي على رسم جميع العلماء
ليست أدلة، فلو تجوزنا وقلنا: هي دليل فهي كالمنخنقة والموقوذة والمتردية
والنطيحة، لا تقف منها على شيء، وغالب أدلتهم هكذا، فإن كان هناك قطاع من أمة محمد
صلى الله عليه وآله وسلم خرج بهذا الباب من الدين، ودخل هذا المهيع إلى باب الشرك
وعدم الإعتماد على الله تبارك وتعالى والإنسلاخ من الشريعة، فكيف يقال: إن القول
بحياة الخضر أو عدم القول به مسألة هامشية، أحيانا يدخل رجل مريض المستشفى، وبرغم
أنهم يعلمون أنه ميت إلا أنهم لا يتركون صغيرا أو كبيرا من أسباب العلاج إلا طرقوه،
لِمَ تفعلون ذلك؟ يقولون: هذه حياة إنسان، وإذا جئت أنا وتكلمت في الطب قالوا:
اترك ليس هذا تخصصك، وإذا تكلمت في الطب ولبست لباس الأطباء وعلقت سماعة، ودخلت
بالمعلومات العامة عندي وفتحت عيادة، وكشفوني متلبسا بأنني طبيب ولست بطبيب يحكمون
علي بالأشغال الشاقة المؤبدة، لماذا؟ لأن هذا تتعلق به أرواح الناس، فإذا كنتم
تعاملون أرواح الناس هذه المعاملة أفلا تعاملون دين الخلق بأجل مما تعاملون
أبدانهم؟ إن إنقاذ إنسان من الكفر أفضل من إنقاذ عشرة أبدان، فنحن بإغلاقنا هذا
الباب نحل العقدة الثانية من حبل الزندقة، لا يقولن قائل: إن الكلام في النهي عن
الصلاة في المساجد التي فيها قبور، أو في النهي عن الإستعانة بغير الله تبارك
وتعالى، أو في النهي عن اتباع غير النبي صلى الله عليه وسلم هي مسائل هامشية، بل
هذا هو النخاع واللب وما سوى ذلك هي المسائل الهامشية. ونذكر قصة الصحابي المزعوم
عبد الله بن السلطان، ويعلم الله أنه لا يوجد صحابي بهذا الإسم، ويعلم أهل العلم
جميعا أنه لا يوجد صحابي خلق بهذا الإسم عبد الله بن السلطان، كان زانيا سارقا قاتلا
يفعل كل أنواع الفواحش والمنكر، هذا كتيب موجود والرسول عليه الصلاة والسلام حزين،
رآه يزني فلم يقم عليه الحد، رآه يترك الصلاة ولا يؤدي الزكاة فلم يقتله، كل هذا
والرسول موجود، ولا يقال: صاحبي إلا إذا كان موجودا مع الرسول عليه الصلاة
والسلام، كل هذا يجري على عين النبي عليه الصلاة والسلام وهو حزين فقط؛ كأنه لا
حول له ولا قوة، فمات عبد الله بن السلطان، فذهبوا إلى الرسول وأخبروه بموت عبد
الله بن السلطان، وقالوا له: تعالى فصل عليه، قال: لا أصلي عليه، ما شاء الله من
هذا الذي لم يرزق ذرة من العقل بعد كل هذا يذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام
ويقول له: يا رسول الله! صل على عبد الله بن السلطان، فالرسول لم يصل عليه، وإذا
بجبريل عليه السلام ينزل يسد الآفاق بستمائة جناح وينزل على المختار عليه الصلاة
والسلام ويقول له: إن ربك يأمرك أن تصلي على عبد الله بن السلطان، انظر المهازل!
أليس هذا طعن في النبي عليه الصلاة والسلام وينشر هذا الكلام؛ لأنه ليس هناك حاكم
ولا ضابط على المطبوعات التي تنشر، وكما قلنا: دخل علينا الكفر بقرونه من باب سموه
باب (حرية النشر وحرية الرأي)، حتى الطعن في الإسلام حرية، ويذهب النبي عليه
الصلاة والسلام وهو لا يدري لماذا يصلي على عبد الله بن السلطان وهو أعلم بني آدم
لكنه ذهب لأنه مأمور، ويصلي عليه، والذي يدفنه هو النبي عليه الصلاة والسلام، ثم
يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، إلى أين؟ إلى بيت امرأة عبد الله بن السلطان لقد
رأيت عجبا، يطرقون الباب، فتقول المرأة من الداخل: من هذا الفاجر الذي يطرق الباب،
قالوا: يا أمة الله! إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتحت، فقال لها: يا أمة
الله، ماذا كان يفعل عبد الله؟ انظر! الرسول صلى الله عليه وسلم تحول من معلم
الإنسانية الخير إلى رجل يسأل وهو جاهل! قالت: ولِمَ. قال: لأنني لما نزلت القبر
وجدت ألف حورية، واحدة في يدها زنجبيل وواحدة في يدها عصير، وكلهن يتسابقن إليه خذ
مني يا عبد الله، كلهن يتسابق بالقربى والزلفى إلى هذا الفاجر، اشرب. فقالت: (أما
قد قلت ذلك) فإنه كان زانيا فاسقا فاجرا داعرا قاتلا... إلخ، القصة المكذوبة
المفتراة التي ينبغي تحذير الناس من هذه الكتب التي تحتوي على خرافات وأساطير،
نسأل الله تعالى أن يختم لنا بالحسنى، ويوفقنا إلى نيل المطلب الأسمى، إنه جواد
كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
بطلان الإجماع المزعوم على أن الخضر حي
إننا نقطع أن الخضر عليه السلام مات، وأنه لا وجود له، وأن
أية دعوى للإجماع ينقلها أي عالم في الدنيا على أن الخضر حي هي دعوى بلا دليل،
ونحن رأينا كما يقول العلماء وفي مقدمتهم شيخ الإسلام ابن تيمية من المتأخرين، ومن
المتقدمين الإمام أحمد بن حنبل قال: (من ادعى الإجماع فقد كذب، وما يدريه لعل
الناس اختلفوا)، أي: من ادعى الإجماع برسمهم الموجود في أصول الفقه من أنه لا
يتخلف عن هذا الإجماع عالم مجتهد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وما يدريك؟ وهل
تعلم جميع المجتهدين في الكرة الأرضية حتى تقول: هذا أمر مجمع عليه؟ لذلك صار
الإجماع المنقول في كتب الفقه هو عدم المعرفة بالمخالف فقط لا أنه الإجماع المعروف
في الأصول، هذا هو الإجماع الذي يذكره العلماء، فإذا قيل: وهذه المسألة قال
العلماء فيها كذا بالإجماع، لا تتصور أنه أجمع كل إنسان في الدنيا، لا بل المراد:
لا نعلم مخالفا لهذا القول فيذكره إجماعا على سبيل التسامح والتجاوز، فدعوى إجماع
العلماء أو إجماع الأمة على أن الخضر عليه السلام موجود كما نرى ذلك في الكتب هي
دعوى بلا دليل، لكن المكابر لا يسلم بالحق ولو شهدت عليه أعضاؤه، والسعيد من اتعظ
بغيره، والمنصف يكفيه أقل من هذا.
اعتراض
على الإهتمام بقضية موت الخضر وحياته مع الجواب عنه
السؤال: اشتغل بما هو أنفع وأهم وبما يعود على صالح الأمة
المسلمة في زمانها بالخير، فمالك والخضر مات أو عاش، إن أكثر من (90%) من قوتنا
نأخذه من يد أعدائنا، وإن المسلمين قد تخلفوا تخلفا موجعا عن كل مظاهر التقدم،
فهلا دفعتهم حتى يساووا أولئك الكفرة في القبض على منافذ الحياة، وهم بذلك يستطيعون
أن ينشروا دينهم، لأن كثيرا من الكفرة ينظرون إلى التردي الذي يعيش فيه المسلمون
الآن فيظنون أنه بسبب دينهم فلا يقدمون على الإسلام، لكنهم لو أخذوا بأسباب الحياة
وتقدموا لعل هؤلاء الغربيين يعجبهم مثل هذا التقدم في ديار المسلمين، ويكون هذا من
باب الدعوة إلى الإسلام؟ الجواب: أن هذا القائل ليس بأول سار غره قمره؛ لأن هذا
الرجل إنما تعلق بأعلى الشجرة ونسي أن السوس قد اخترم جذرها، إن الله تبارك وتعالى
قال في محكم تنزيله: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى
يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" [الرعد:11]، (ما) هنا: هي كل شيء يضاد
الفطرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه
يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه) ولم يقل: أو يسلمانه؛ لأن الفطرة هي الإسلام، وهذا
الحديث من حجج القائلين بأن أولاد اليهود والنصارى الذين ماتوا وهم رضع أو لم يجر
عليهم القلم أنهم في الجنة؛ لأن كل مولود يولد على الفطرة فهو يولد على الفطرة،
فبعد أن يكبر أو يعقل فأبواه إما يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه، فبعدما يكبر هذا
الإنسان يبدأ ينحرف عن الفطرة التي ولد عليها، فيعلق به (ما) هذه، فلذلك كانت
الآية توجهه إلى ذلك: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى
يُغَيِّرُوا" [الرعد:11] فـ (ما) أي: الذي علق بنفوسهم، فإذا كان بيننا من
يعتقد أن الخضر حي ويأخذ منه دينه فهذا خرج من الإسلام من باب واسع، ونحن لو سلمنا
أن الخضر حي وأنه يفتي فتاوى لما جاز أن تتلقى منه فتوى ينفرد بها عن غيره من
العلماء عندنا، فالقاعدة معروفة عند علماء الأصول: أن شرع من قبلنا شرع لنا بشرط
ألا يرد في شرعنا ما يخالفه، فالخضر عليه السلام إن كان نبيا فهو تابع لنبينا صلى
الله عليه وسلم، والقائلون بحياته يستحيل أن يتخلصوا من هذا، إذ ليس من الممكن أن
يكون نبيا منفردا بذاته والنبي عليه الصلاة والسلام موجود عمت رسالته الخافقين،
فلا يجوز له أن ينفرد بفتوى؛ بل لا بد أن يفتي وفق فتوى النبي عليه الصلاة والسلام،
فإن كانت فتواه التي يفتي بها لها أصل في السنة فالتعويل على ما في السنة لا على
ما قاله الخضر، إذا: فلا قيمة لفتواه، فهي إن كانت مخالفة لما عندنا فلا اعتداد
بها، وإن كانت موافقة لما عندنا فهي موافقة شكلية؛ إذ الإعتماد على الحديث الذي
قاله النبي عليه الصلاة والسلام.
تمثل الشيطان في صورة الخضر
قد يغلو البعض في الخضر بأشد من ذلك، وإذا جاءك رجل صالح ما
جربت عليه كذبا قط، فأقسم بالله وبالأيمان الغلاظ أنه رأى الخضر بعينيه وكلمه،
وقال: أنا الخضر، وأقسم له أنه الخضر، غير ممكن أنك ترمي هذا الرجل بالكذب أو
الوهم، إذ هو عابد عالم وأقسم أنه رأى الخضر وأن الذي رآه أقسم له أنه الخضر، لكن
هذا لا يكون دليلا على أن الخضر موجود، وإليكم البيان: نحن نسلم أن هناك من يرى
بعض الأشخاص يقول له: أنا الخضر، وقد يراه على خلقة أعظم من خلقة بني آدم التي
يراها، لكننا نقول: إن ذلك شيطان، وأبو إسحاق الحربي قال: (ما ألقى هذا بين الناس
إلا الشيطان)، ونحن نعلم أن الشيطان يتشكل في صورة الآدمي، ويتشكل في أي صورة،
بخلاف بعض الذين قالوا: لا يتشكل إلا على شكل قطة أو هرة أو حيوان ولا يتشكل على
شكل إنسان، فإن عندنا الدليل القاطع على أنه يتشكل حتى على شكل إنسان، وهذا الدليل
هو قصة أبي هريرة مع سارق الصدقات كما في صحيح البخاري، وأن هذا السارق كان شيطانا
جنيا؛ بل صرح هو بهذا لأبي هريرة، فهذا الجني يتشكل في أي صورة، فقد يتشكل في صورة
آدمي عظيم الخلقة، ثم يقول: أنا الخضر ليضل هؤلاء الناس، فيا عجبا لمن صدقه بأنه
الخضر! وما يدريه أن هذا صادق عندما قال له: أنا الخضر؟ وهذا يذكرنا بقصة الثعلب
الذي لبس جبة وفسطاطا وأمسك مسبحة ودعا الديك حتى يؤذن للصلاة، فمن أين لنا أن هذا
الثعلب صادق؟ أذكر أنني سمعت محاورة بين شيخنا الألباني حفظه الله وبين رجل مصري
يعالج المصابين بالجن، فقال المصري للشيخ: هل يجوز لي أن أستعين بالجني المسلم في
علاج الحالات؟ لأن الذي مس هذا الإنسان جني كافر، إما نصراني أو يهودي أو مجوسي،
فهل يجوز لي أن أستعين بالجني المسلم الذي عنده القوة على أن يقاوم هذا الجني
الكافر؟ فكان جواب الشيخ له هو جواب العالم الذي لا يترك الفرع ويدخل في الأصل
مباشرة، ومن علامة عدم الوصول إلى الحق أنك لا ترسي أصلا تنطلق منه، فقال له
الشيخ: وكيف عرفت أنه مسلم؟ هذا هو الأصل، فلا نسلم أنه مسلم، قال: منه، قال: ومن
أدراك؟ أليس من الجائز أن يكون أكفر جني على وجه الأرض، ثم يقول لك: أنا مسلم
ويستدرجك، أليس هذا جائزا؟ قال: جائز، قال: فمن أين لك أن تعلم أنه مسلم؟ إذا: كما
يقول بعض علمائنا المتأخرين: اثبت العرش ثم انقش، إذ كيف يستقيم الظل والعود أعوج،
فنحن لا نستطيع أن نخوض في هذه المسألة إلا إذا ثبتنا هذا الأصل، وهو كيف نعرف أنه
مسلم؟ من المعروف أنه عندما يكون الجني كافرا يستحل كل شيء حتى دعوى أنه مسلم، فلا
نصل إذا إلى حل، فيبقى أنه لا يجوز لك أن تعتمد على الجني المسلم بزعمه أنه مسلم
حتى تثبت أنه مسلم وهيهات هيهات، وليست كل دعوى تخرج من فم إنسان تسلم له، وإلا
فأكثر أهل الأرض أدعياء، يدعون الكرم والشجاعة والعلم والأخلاق، ويدعون كل شيء،
ويتبرءون من كل رذيلة وإن كانوا هم صناعها، حتى أن بعضهم يقول: الغاية تبرر
الوسيلة، ويجعلها قاعدة عنده ليبرر عدوانه، فكل إنسان يدعي الكمال وما ليس فيه،
فلو قال هذا الرجل الذي يظهر على أنه الخضر: أنا الخضر، كيف سلمت له أنه الخضر،
ولماذا لا تكون أنت بذاتك الخضر مثلا؟
الأدلة من القرآن على أن الخضر مات
أما القرآن: فقد قال الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه
وسلم: "وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ
فَهُمُ الْخَالِدُونَ"، [الأنبياء:34] أي: إن كتبنا عليك الموت مع جلالتك
وقربك منا واصطفائنا لك وأنت سيد ولد آدم ولا فخر، وأنت أول من يهز حلق الجنة،
وأول من تنشق عنه الأرض، وأول من يدخل الجنة من النبيين بل من الخلق، وأول شافع
ومشفع، أفإن مت يكون هؤلاء الذين لم تتوفر لهم هذه الصفات هم الخالدون، ونحن نسأل:
هل الخضر بشر أم جني؟ لا يشك أحد أنه بشر، فإن كان من البشر شمله عموم الآية بل لا
شك في ذلك عند جميع العلماء: "وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ
الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ" [الأنبياء:34] إن كان من
البشر شملته الآية: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ" [آل عمران:185]
ولفظة (كل) عند العلماء: تفيد العموم ولم يخرج عن هذا العموم أحد -أي: في الدنيا-
إلا إبليس لعنه الله، وعيسى عليه السلام بدلالة النص الخاص بكل منهما، ولو أخذنا
الآية على جميع أفرادها وجميع زمانها صار الكل فانيا، الدليل الثاني من القرآن: "وَإِذْ
أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ
ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ
وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي
قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ"
[آل عمران:81]، والخضر نبي: "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ"
[آل عمران:81] فلا شك أنه داخل في هذه الجملة، ولا نعلم في حديث صحيح ولا حسن ولا
ضعيف ضعفا منجبرا أن الخضر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به وصدقه وجاهد
معه، فأين كان؟ وقد أخذ الله الميثاق على جميع الأنبياء الذين يأتي النبي صلى الله
عليه وسلم وهم أنبياء أخذ عليهم الميثاق أنه إذا ظهر هذا النبي الخاتم صلى الله
عليه وسلم أنه يجب عليهم أن يأتوه ويعزروه وينصروه، فإن كان الخضر حيا فأين كان؟
أليس هذا من الطعن في الخضر وأنه خالف ميثاق الله عز وجل ولم يجد لنصرة النبي عليه
الصلاة والسلام، أليس القول ببقائه من باب الطعن فيه؟ بلى، وبهذا احتج ابن الجوزي
رحمه الله على أن الخضر مات.
الأدلة من السنة على أن الخضر
مات
ثانيا: السنة المطهرة: وبها احتج الإمام البخاري رحمه الله
على موت الخضر، وقد روى أصحاب الصحاح هذا الحديث من حديث ابن عمر وأبي سعيد الخدري
وجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهم وكلها موجودة في صحيح مسلم، وبعضها في
صحيح البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام قال قبل أن يموت بشهر واحد وهذا
التحديد وقع في رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال عليه الصلاة والسلام:
(أرأيتكم ليلتكم هذه ليس على ظهر الأرض أحد ممن هو عليها اليوم بعد مائة عام)، أي:
بدءا من هذه الليلة جميع الموجودين على الكرة الأرضية بعد مائة عام لا يكون أحد
منهم حي، وفي اللفظ الآخر: (ما من نفس منفوسة تمر عليها مائة عام وهي على ظهر
الأرض حية يومئذ)، والعجيب أن الذين ردوا هذا الحديث قالوا: إن الخضر يعيش في
البحر فلذلك الحديث لا يشمله، وهذا من المضحك المبكي الموجع، وهل هناك دليل على
أنه في البحر؟ ولِمَ لم تقل: إنه في السماء؟ أليس من المضحك أن ترد الأحاديث
الصحيحة بمثل هذا الباطل الذي لا يعجز عنه أحد، كل إنسان يستطيع أن يغفل دلالة
القرآن الكريم والسنة المنزلة بمثل هذه الأقوال، أما نحن فنأتيكم بأدلة ناصعة
كالشمس في رابعة النهار، ونؤصل أدلتنا ونسندها ونصححها، فهلا أبرزتم لنا دليلا
واحدا ارتقيتم به إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة الأدلة التي نأتي بها؟
ما عندهم شيء وإنما قالوا: هو في البحر، ولو أن الحديث قال: هو في البحر لقالوا:
هو في الأرض، ولو أن الحديث قال: في البحر والأرض لقالوا: في السماء، فلابد من أن
يأتوا بجهة ليست موجودة في الحديث، وقد استدل بهذا الإمام البخاري على أن الخضر
مات، إذ لو سلمنا جدلا أنه كان موجودا في زمان النبي عليه الصلاة والسلام فبدلالة
هذا الحديث هو ميت لا محالة بعد مائة عام، ويستحيل أن يكون موجودا بعد مائة عام،
فالذين يقولون بعد المائة الأولى: رأينا الخضر وسمعنا الخضر وكلمنا الخضر! هم
كذبة، والمحققون كالإمام مسلم وغيره استدلوا بهذا الحديث على انقطاع الصحبة بعد
مائة عام، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام هذا الحديث في السنة العاشرة للهجرة،
فإذا اعتبرت أنه بعد مائة عام من هذه المقالة لا يوجد أحد ممن يعيش على ظهر الأرض،
فإذا: نقطع بأن الصحابة جميعا سيكونون قد ماتوا بتمام سنة (110هـ)، وكان آخر صحابي
مات كما قال مسلم هو أبو الطفيل عامر بن واثلة مات سنة (110هـ) وهذا تصديق للحديث
من أنه لا يوجد أحد بعد مائة عام من هذه المقالة، لذلك ادعى جماعة الصحبة بعد سنة
(100هـ) وقالوا: بل إنهم رأوا النبي عليه الصلاة والسلام، فكذبهم أهل العلم وقالوا
لهم: لستم صحابة ولم تروه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما من نفس منفوسة
تمر عليها مائة عام وهي على ظهر الأرض حية يومئذ)، فلو سلمنا جدلا أن الخضر حي فهو
بعد سنة (110هـ) يستحيل أن يكون حيا، فهذا دليل من السنة، ودليل آخر: في غزوة بدر
لما جأر النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه وقد رأى أصحابه ضعافا أذلة يقتسمون
التمرات، وحالة الفقر عليهم ظاهرة، مشردون وهم سيقابلون عتاة قريش الذين خرجوا
لأجل الحرب، وهؤلاء ما خرجوا لأجل الحرب، وما عندهم استعداد, نظر إليهم ورثى
لحالهم، وقال: (اللهم نصرك الذي وعدت، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في
الأرض)، وقد اتفق العلماء أن عدة من كان موجودا من الصحابة يوم بدر ثلاثمائة
وثلاثة عشر رجلا معروفون بأسمائهم، وهم الذين يطلق عليهم العلماء: البدريون، وهم
غرة في جبين الإسلام والمسلمين، حسبهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعل الله
اطلع إلى أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) وأن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: (لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية)، ومن هذا أن حاطب بن أبي بلتعة
كان يقسو على غلامه ويضربه، فذهب الغلام يشكوه إلى النبي عليه الصلاة والسلام وكان
حاطب ممن شهد بدرا، فقال غلام حاطب للنبي عليه الصلاة والسلام: (والله يا رسول
الله ليدخلن حاطب النار - أي: بقسوته عليَّ - فقال النبي عليه الصلاة والسلام:
كذبت، لقد شهد بدرا)، وهؤلاء البدريون ينسبون إلى هذه الغزوة المباركة، فيقال: أبو
مسعود البدري ولا يقال: فلان الأحدي ولا الخندقي ولا التبوكي ولا الرضواني، لا
ينسب أحد إلى غزوة قط إلا إلى بدر؛ لجلالها وشرفها؛ لذلك حصر العلماء من كان فيها،
فإن كان الخضر حيا أكان ممن يعبد الله أم لا؟ لا شك أنه ممن يعبد الله، فكيف قال
النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض)؟ فلا
يستثني الخضر ولا غيره، فهذا دليل دلالة قاطعة على أن الخضر غير موجود، هذا من
السنة.
الإجماع على موت الخضر
قال الإمام أبو إسحاق الحربي: ما ألقى هذا بين الناس إلا الشيطان)،
وكذا قال الإمام أحمد بن حنبل وأبو الحسين بن المنادي والإمام البخاري وابن الجوزي
وابن كثير وابن تيمية وكذا قال الإمام الحافظ ابن حجر، في آخرين يطول المقام
بذكرهم، فهؤلاء أجمعوا، وقد قلت: إجماع المحققين، ولم أقل: إجماع الأمة، حتى لا
يقول قائل: إن فلانا من العلماء رحمه الله يقول: إنه حي، بل إجماع العلماء
المحققين على أن الخضر مات.
دلالة العقل على موت الخضر
أما المعقول فمن أوجه: الوجه
الأول: أن الذين ادعوا أن الخضر حي زعموا أنه من ولد آدم لصلبه، أي: أنه من صلب
آدم، وهذا باطل؛ لأن الذين يدعون أنهم رأوا الخضر يصفونه بأنه إنسان عادي، جسمه
جسم رجل مقبول، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (خلق الله عز
وجل آدم طوله ستون ذراعا، فلا يزال الخلق يتناقص إلى يوم القيامة) فمن كان من ذرية
آدم من صلبه سيأخذ خصائصه من كون طوله ستين ذراعا، كما كان طول آدم عليه السلام،
والذين يزعمون أنهم قابلوا الخضر يقولون: إن بدنه بدن رجل عادي، ثانيا: لو كان من
صلب آدم لكان له عدة ألوف من السنين، فكيف يخلو القرآن الكريم من ذكر مثل هذا
الأمر الخارق الذي هو من أدل الأشياء على ربوبية الله تبارك وتعالى؟ وقد ذكر الله
تبارك وتعالى نوحا عليه السلام الذي دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وجعل هذا من
آيات ربوبيته، لأن هذا العمر يذكر ولا يذكر ستة آلاف أو سبعة آلاف أو ثمانية آلاف
سنة!! ولئن قلنا: إن القرآن الكريم لا يذكر كل شيء أفتخلو السنة المطهرة من حديث
واحد صحيح أو حسن ينبه على أبهر آيات الربوبية؟ ثالثا: لو كان من ولد آدم لصلبه
لكان من الذين ركبوا مع نوح في السفينة، ولم يذكر هذا أحد قط، رابعا: لو ركب مع
نوح في السفينة لمات، فلقد ثبت أن جميع من كان في السفينة مع نوح ماتوا بدلالة قول
الله عز وجل: "وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ" [الصافات:77]
فإن كان الخضر من ذرية آدم فيستحيل أن يكون حيا؛ لأن الذي بقي هو ذرية نوح فقط،
فهذا يدل دلالة قاطعة على أنه لم يكن من صلب آدم، ثم الخضر عليه السلام لو كان حيا
ألا يجب عليه أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم بين يديه ويجاهد معه ويصلي
معه الجماعة والجمعة خلفه، وقد قال الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: "قُلْ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا"
[الأعراف:158] أليس الخضر من الناس؟ فإن كان حيا إبان بعثة النبي صلى الله عليه
وسلم ولم يأته ولم يجاهد معه ولم يسلم بين يديه كان ذلك من أعظم الطعن عليه، وقد
جعل النبي عليه الصلاة والسلام الهجرة واجبة إلى المدينة على من يستطيع، وقد قال
الله تبارك وتعالى للمسلمين: "فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى
يُهَاجِرُوا" [النساء:89] لأن الهجرة كانت واجبة على الأعيان؛ لأن المدينة
دار الإسلام الوحيدة آنذاك وكان يجب الهجرة إليها، فلما فتحت مكة ولم تعد المدينة
هي الدار الوحيدة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد
ونية) أي: أن الهجرة الواجبة على الأعيان أغلقت وتوقفت بعد الفتح، فإن كانت الهجرة
واجبة على المسلمين الذين يقيمون في مكة، ونهى الله تبارك وتعالى المسلمين أن
يتخذوهم أولياء حتى يهاجروا فأين كان الخضر؟ ولم لم يذهب إلى النبي عليه الصلاة
والسلام؟ خامسا: أيقول الخضر عليه السلام لموسى كليم الله وأحد أولي العزم: "هَذَا
فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ" [الكهف:78]، ثم يدور مع الجهال والمغفلين الذين
لا يصلون ولا يزكون، وإن فعلوا فهم يتمسكون بالإسلام بحبل واهٍ ضعيف، هل هذا إلا
من أعظم الطعن في الخضر أن يلتقي بهؤلاء الجهلة ويدور معهم في الفلوات يسبح ويفارق
كليم الله ويقول: "هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ"، هذا مستحيل"،
هنا انتهى كلام "نضال دويكات" وفقه الله.
وعليه
فإن الخضر عليه السلام ليس حيا كما يزعم الصوفية حياته حتى
يومنا هذا وأنهم يلتقونه ويأخذون عنه، وحياة الخضر ليومنا هذا لا دليل عليها لا
من القرآن الكريم ولا من السنة المطهرة، والسؤال: هل الخضر من بني آدم أم من
الملائكة أم من الجن؟ فإن كان من الملائكة أو من الجن فلا قياس عليه أما
إن كان من بني آدم وأنه ما زال حيا فذلك يعني أنه تجاوز الخمسة آلاف سنة من العمر،
وهو أمر تم تفنيده في الفقرات السابقة، ومع تحفظنا على أن الخضر لم يلتق النبي صلى
الله عليه وسلم طيلة حياته ولم يلتق أحدا من الصحابة الكرام أو بنبي من الأنبياء
من لدن موسى عليه السلام وحتى رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه - فهل الصوفية
هم وحدهم الذين حازوا الخضر إلى رحالهم ؟.
وهنا نُذَّكِر بوجه الشبه بين
الصوفية والشيعة فالشيعة ينتظرون الإمام الغائب منذ ألف ومئاتي عام ليخرج من سرداب
سامراء، وحتى لا يأتي لنا المتصوفة بحيلة أخرى وهي حياة الصالحين داخل قبورهم نذكر
قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يسلم على إلا رد الله على روحي حتى
أرد عليه السلام) وذلك يعني أن رده صلى الله عليه وسلم للسلام مرتبط بقوله: (رد
الله علي روحي) أي أنه لا يستطيع رد السلام إلا من بعد أن
يرد الله عليه روحه، قال تعالى : "أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ
وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ
بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ
لَبِثْتَ قَالَ
لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ
إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ
وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا
ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ
عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" – هذا نبي من الأنبياء لم يدرك
أنه قد مر عليه مائة عام وهو في عِداد الأموات بل ظن أنه لبث يوما أو بعض يوم في
الوقت الذي يدّعي فيه شيوخ الصوفية سماعهم للمستغيثين بهم وهم في قبورهم بل
ويخرجون من قبورهم ليقضوا حوائج الناس، قال تعالى : {وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ
وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن
فِي ٱلْقُبُورِ} وقال أيضا: "أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ
يُبْعَثُونَ".
ولكي نكون من المنصفين قدر الإمكان فإنه ينبغي ذكر وجهة نظر
من يعتقدون بحياته، وعلى أي الأدلة اعتمدوا، فهم يقولون:
ليس من المستحيل العقلي، ولا
الشرعي أن يكون الخضر عليه السلام أو غيره من الخلق حيًّا، ولا ينبغي للمسلم أن
يبادر برفض كل ما لم يعتد عليه، ولم يكن في نطاق المعتاد، قبل أن يطلع على الشرع
الشريف، ويرى هل هناك ما يثبت ذلك أو لا، والله عز وجل يمد في عمر من يشاء، وقد يكون ذلك
الإمداد؛ لإقامة الحجة كإنظاره إبليس عليه لعنة الله ؛فهذه ليست كرامة له ولا
تشريفا، أما غير إبليس من الصالحين كالخضر عليه السلام؛ فقد يكون ذلك كرامة له أو حِكم
أخرى لا نعرفها، وقد ذكر السلف الصالح مسألة الخضر، وأنه ما زال حيًّا إلى زمنهم،
وقد ذكر مسلم في صحيحه حديث الرجل الذي يقتله الدجال، وتعقيب أبي إسحاق عليه، حيث
روى بسنده ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال حكاية عن الدجال: "أرأيتم
إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، قال: فيقتله ثم يحييه، فيقول
حين يحييه: والله ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن، قال: فيريد الدجال أن يقتله
فلا يسلط عليه، قال أبو إسحاق: يقال إن هذا الرجل هو الخضر عليه السلام (أخرجه
مسلم في صحيحه، ج4 ص 2256، ولم يعترض على قول أبي إسحاق).
وما رواه أنس رضي الله عنه عند
وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: فدخل رجل أصهب اللحية جسيم صبيح، فتخطا
رقابهم فبكى، ثم التفت إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: "إن في
الله عزاء من كل مصيبة، وعوضًا من كل فائت، وخلفًا من كل هالك، فإلى الله فأنيبوا،
وإليه فارغبوا، ونظرة إليكم في البلاء، فانظروا فإنما المصاب من لم يجبر"، وانصرف،
فقال بعضهم لبعض: تعرفون الرجل؟ فقال أبو بكر وعلي: نعم، هذا أخو رسول الله صلى
الله عليه وسلم الخضر عليه السلام (أخرجه الحاكم في المستدرك، ج3 ص 58).
وعن أنس رضي الله عنه كذلك
قال: خرجت مع رسول صلى الله عليه وسلم في بعض الليالي أحمل له الطهور؛ إذ سمع
مناديًا فقال: "يا أنس، صه"، فقال: اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني
منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو قال أختها"، فكأن الرجل لقن ما
أراد رسول الله، فقال: وارزقني شوق الصادقين إلى ما شوقتهم إليه، فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: "هيا يا أنس، ضع الطهور، وائت هذا المنادي، فقل له أن ادع
لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعينه على ما ابتعثه به، وادع لأمته أن يأخذوا
ما أتاهم به نبيهم بالحق"، فأتيته فقلت: ادع لرسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يعينه الله على ما ابتعثه، وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به بنيهم بالحق، فقال:
ومن أرسلك؟ فكرهت أن أعلمه، ولم أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: وما
عليك رحمك الله بما سألتك؟ قال: أو لا تخبرني من أرسلك؟ فأتيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقلت له ما قال، فقال: "قل له أنا رسول رسول الله"، فقال: لي
مرحبًا برسول الله ومرحبًا برسوله، أنا كنت أحق أن آتيه أقرئ رسول الله صلى الله
عليه وسلم السلام، وقل له: الخضر يقرؤك السلام، ويقول لك: إن الله قد فضلك على
النبيين كما فضل شهر رمضان على سائر الشهور، وفضل أمتك على الأمم كما فضل يوم
الجمعة على سائر الأيام، فلما وليت عنه سمعته يقول: اللهم اجعلني من هذه الأمة
المرحومة المرشدة المتاب عليها (رواه الطبراني في الأوسط، ج3 ص 255).
وعن
أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الخضر في
البحر، وإليسع في البر يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس
وبين يأجوج ومأجوج، ويحجان، أو يجتمعان كل عام ،ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى
قابل"، قلت: قد ذهب من الأصل مقدار ثلث سطر (مسند الحارث بزوائد الهيثمي، ج2
ص 866).
هذا بشأن ما ورد من آثار في
تلك المسألة أما ما نُقل عن الفقهاء المعتمدين فهناك ما ذكره الإمام النووي رحمه
الله رغم تضعيفه لقصة تعزية الخضر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم وفاته صلى
الله عليه وسلم ولكنه أكد على حياة الخضر؛ حيث قال: "وأما قصة تعزية الخضر
عليه السلام فرواها الشافعي في الأم بإسناد ضعيف، إلا أنه لم يقل الخضر عليه
السلام، بل سمعوا قائلا يقول، فذكر هذه التعزية، ولم يذكر الشافعي الخضر عليه
السلام، وإنما ذكره أصحابنا وغيرهم، وفيه دليل منهم لاختيارهم ما هو المختار،
وترجيح ما هو الصواب، وهو أن الخضر عليه السلام حي باق، وهذا قول أكثر العلماء (المجموع،
للإمام النووي، ج5 ص 275، 276).
وقد سُئل العلامة الرملي عن
الخضر وإلياس عليهما السلام ؛فقال :"أما
السيد الخضر فالصحيح كما قاله جمهور العلماء أنه نبي لقوله تعالى: "وَمَا
فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي"، ولقوله تعـالى: "آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ
عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْما"، أي الوحي والنبوة، لا وَلِيٌ
،وإن خالف بعضهم، فقال: لم يكن الخضر نبيًّا عند أكثر أهل العلم، والصحيح أيضا أنه
حي، فقد قال ابن الصلاح: جمهور العلماء والصالحين على أنه حي، والعامة معهم في
ذلك، وقال النووي: الأكثرون من العلماء على أنه حي موجود بين أظهرنا، وذلك متفق
عليه بين الصوفية وأهل الصلاح، وحكايتهم في رؤيته، والإجتماع به، والأخذ عنه،
وسؤاله، وجوابه، ووجوده في المواضع الشريفة أكثر من أن تحصى.
والصحيح أيضًا أنه من البشر
لا من الملائكة ،ومقر السيد الخضر والسيد إلياس أرض العرب (فتاوى الرملي، ج4 ص 225).
ومما ذكر فنرى ما ذهب إليه
أكثر علماء الأمة يعضده ما ذكر في الآثار التي أوردناها، وهو أن الخضر عليه السلام
ما زال حيًّا بين أظهرنا إلى يومنا هذا، وأنه كان بشرًا، وقد يلتقي ببعض الناس
كرامة له، وكرامة لمن لقيه، ولكن لا ينبغي أن يفتح الباب للمدعين، وقد اختلف
العلماء في نبوته، والصحيح أنه نبي كما ذكر العلامة الرملي ذلك، والله تعالى أعلى
وأعلم.
وللشيعة مذهب قريب من مذهب
المتصوفة وبعض أهل السنة والجماعة في حياة الخضر عليه السلام، ولا بأس من التطرق
لأدلتهم حول هذا الموضوع، فها هو أحد علمائهم يقول في كتاب حياة الخضر عليه السلام
وقد ألفه السيد هاشم فياض الحسيني، وقد عرض له الأستاذ حسن الشيخ عبد الأمير الظالمي
الباحث والمحرر في مجلة الإنتظار بملخص بحثي:
"قضية الخضر عليه السلام
من القضايا التي لم تُسلَّط عليها الأضواء بشكل كافٍ مع تأكّد حقيقة وجوده عند
الفرق الإسلامية، وقد وردت روايات متفرقة عن حياته في تفسير سورة الكهف، أو في بعض
الروايات في بطون الكتب هنا وهناك، وتكتسب أهمية البحث عن الخضر عليه السلام من
كونها قضية تتصل بوجود الإمام المهدي عجل الله فرجه في مسألة طول العمر، وما تؤكده
الروايات من أن الخضر سيخرج مع الإمام ويكون وزيرا له، وهذا ما تطرق إليه الباحث
في كتابه موضوع البحث.
أولا: لقد بدأ المؤلف كتابه بمقدمة عرض فيها الأسئلة الملحّة عن شخصية الخضر عليه
السلام وهي أسئلة مشروعة، ومنها:
أ ـ هل أن شخصية الخضر حقيقة أم خيال؟
ب ـ هل أنه نبيّ أم لا؟
ج ـ هل هو على قيد الحياة الآن؟
وما هو سبب بقائه إن كان حيا؟
د ـ ما هو سبب احتجابه عن الأنظار؟
وهل أنّه سيظهر مع الإمام المهدي عجل الله فرجه؟
ثانيا: أورد في الفصل الأول
اسم الخضر ولقبه وكنيته، وخلص إلى القول بأنه: بليا أو تاليا بن ملكان بن فالغ بن
عابر (شالخ ـ خ ـ) بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام ـ وأورد اسمه عند أهل
الكتاب وأنه من أولاد إبراهيم الخليل عليه السلام أو أنه من أسباط هارون بن عمران
عليه السلام، ثم تطرق إلى كيفية ولادته فقال: كان الخضر من أبناء الملوك، فآمن
بالله تعالى وانفرد لعبادته، وليس لأبيه ولد غيره، فأراد أبوه أن يزوجه كي يُرزق
ولدا يخلفه في الملك، فخطب له امرأة، فلم يلتفت الخضر إليها وامتنع عنها، فغضب
عليه أبوه وردم باب حجرته، وبعد ثلاثة أيام اشتاق إليه وأراد رؤيته فلم يجده، وقد شرب
من الماء الذي من شرب منه بقي إلى الصيحة.
وذكر المؤلف أن الخضر عليه
السلام كان معاصرا لذي القرنين ـ الرجل الصالح ـ وكان وزيره ومستشاره في جميع
أموره، ثم روى القصة التي جمعت الخضر وذا القرنين للبحث عن عين الحياة.
ثالثا: تطرّق المؤلف إلى قصة
موسى والخضر في القرآن الكريم الواردة في سورة الكهف (60 -82) وقال بأن سبب نزولها
هو أن اليهود قالوا للمشركين: سلوا محمدا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان
أمرهم؟ وسلوه عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها وما كان نبأه؟، فجاؤوا رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وسألوه، وبعد فترة نزلت سورة الكهف تحكي قصتهم وما
سألوا عنه.
رابعا: ثم أورد سبب لقاء موسى
بالخضر عليه السلام وخلص إلى القول: وذلك لجواب موسى حين سأله أحدهم عن وجود من هو
أعلم منه وجوابه بالنفي، فأمره الله أن يذهب إلى مجمع البحرين فهناك من هو أعلم
منه، بعد ذلك بدأ بتفسير آيات القصة كما نزلت في القرآن، وتبعه بحث روائي عن
شخصيات القصة وهم كل من موسى وفتاه والخضر، ثم عرّج على بعض الأمكنة والشخوص
والمصطلحات فشرحها.
خامسا: مواضيع تستفاد من
القصة:
أ ـ أن الخضر ليس أعلم من
موسى بجميع ما يؤديه عن الله تعالى إلى عباده، وإنّما خُصّ الخضر بعلم ما لا يتعلق
بالأداء وهو علم بواطن الأمور وما لم يطلع عليه غيره.
ب ـ في آية (نسيا حوتهما) لا
يراد به أن موسى ويوشع (فتاه) نسيا حوتهما، بل الذي نساه هو يوشع الوصي بقرينة (إنّي
نسيت الحوت).
سادسا: ما ترشد إليه القصة:
أ ـ دلت على التواضع فلا يكون
موضع النبوة مانعا من السعي للإنفتاح على علم جديد.
ب ـ استحباب الرحلة في طلب
العلم واغتنام لقاء العلماء والفضلاء.
جـ ـ ينبغي أن تسود بين
العالم والمتعلم روح المثابرة والجدية بعيدا عن المجاملة.
د ـ ينبغي أن يتقبل المؤمنون
بالصبر والتسليم ما يلقى إليهم من أحكام الله تعالى.
هـ ـ دلت على أن هناك أمورا
ظاهرها العذاب وباطنها الرحمة.
و ـ حب الخير وكره الشر للكل.
ز ـ أن النسيان غير مؤاخذ به
الإنسان.
سابعا: ثم تطرق إلى الأدلة
على نبوة الخضر عليه السلام وأنه من أنبياء بني إسرائيل، والأدلة هي:
أ ـ من القرآن الكريم: وهي:
1ـ "وآتيناه
رحمة من عندنا وعلمناه من لدنّا علما".
2ـ
"هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا".
3ـ "وما
فعلته عن أمري".
ب ـ من الروايات:
1ـ عن الإمام الصادق عليه السلام (إن الخضر كان نبيا مرسلا(.
2- عن ابن عباس: (الخضر نبي
من أنبياء بني إسرائيل).
جـ ـ الإجماع لدى علماء وأئمة
الفرق الإسلامية:
1ـ
القرطبي: إن الخضر على جميع الأقوال نبي معمر.
2ـ
ابن الجوزي: الكثير من المفسرين يذهب إلى أنه كان نبيا.
3ـ
الألوسي: الجمهور على أنه نبي.
4ـ
النيسابوري: الأكثرون على أن ذلك العبد كان نبيا.
5ـ
الشوكاني: وقد ذهب الجمهور إلى أن الخضر كان نبيا.
ثامنا: وجود الخضر وحياته إلى
الآن:
وقد بدأ الفصل بطرح هذا
السؤال: هل أن الخضر لا زال على قيد الحياة أم أنه مات منذ زمن؟
وأجاب على ذلك بالأجوبة
الآتية:
1ـ
علماء الإمامية قاطبة وأكثر أهل السنة وجميع مشايخ الصوفية يقولون ببقائه حيا إلى
الآن.
2ـ بعض علماء السنة: كالبخاري وأبي بكر المالكي وابن تيمية،
يرون أنه قد مات.
3ـ
الصوفية جميعا: يرون أنه حي لحد الآن.
ثم أورد الأدلة على حياة
الخضر وبقائه حيّا لحد الآن:
أ ـ عن السنة المطهرة:
1ـ عن
الرضا عليه السلام: إن الخضر شرب من ماء الحياة فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور.
2ـ ابن عساكر في تاريخه وابن حجر في الإصابة، عن عبد الله بن
نافع: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان في المسجد فسمع كلاما من ورائه
يدعو فكلمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحينما سئل عنه، قال: إنه الخضر.
3ـ روى ابن حجر في الإصابة عن علي عليه السلام: أنه لما توفي
النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءته التعزية، فسئل ممن فقال هذا الخضر.
4ـ
قال العسقلاني: ما صح عن ابن عباس: الخضر ابن آدم لصلبه، ونسيء له في أجله حتى
يكذّب الدجال.
ب ـ الإجماع: أجمع علماء
الشيعة الإمامية وأكثر علماء السنة وجميع الصوفية على أن الخضر عليه السلام موجود
وهو حي يرزق ثم أورد أحاديث عن كل من: الطوسي، النووي، أبو مخنف، القرطبي، ابن
كثير، الزبيدي، ابن العربي.
ثم أورد المؤلف وقائع
لمكالمات للخضر عليه السلام مع أهل البيت كما روتها أصدق المصادر:
أ ـ مع الإمام علي عليه
السلام: السلام عليكم يا رابع الخلفاء، مكالمته مع الإمام وهو يخطب بصفين.
ب ـ سؤاله للإمام الباقر عليه
السلام عن ثلاث مسائل.
جـ ـ كلماته عند استشهاد أمير
المؤمنين عليه السلام: رحمك الله يا أبا الحسن.
د ـ نعيه للحسين عليه السلام
ببيتين من الشعر: إصبروا آل الرسول بـ...
عاشرا: الخضر والمهدي المنتظر
عجل الله فرجه:
بعد مقدمة
بسيطة عن الإمام المهدي، تطرق المؤلف إلى ظاهرة طول العمر عند بعض الأنبياء
والمرسلين كعيسى وإلياس والخضر، ومن الأولياء: أصحاب الكهف، وقد نص القرآن على
بقاء عيسى (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) بل رفعه الله إليه،
وقد دلت روايات الفريقين على أنه سوف ينزل في آخر الزمان ويقتل الدجال ويصلي خلف
الإمام المهدي عجل الله فرجه ثم يسأل المؤلف: كيف نصدق ببقاء المأموم ولا نصدق
ببقاء الإمام؟.
أما ظهور الخضر مع المهدي عجل
الله فرجه فقد دلّت الأخبار والروايات على أن الخضر سوف يخرج مع الإمام المهدي عجل
الله فرجه ويكون وزيرا له، وقد استدل بعض علماء السنة على وجود الإمام المهدي عجل
الله فرجه وعدم استحالة بقائه بوجود عيسى والخضر وإلياس عليهم السلام من قبله بزمن
طويل وهم الآن على قيد الحياة بقدرته تعالى:
1ـ
قال الكنجي الشافعي (في البيان) لا امتناع في بقاء الإمام المهدي بدليل بقاء عيسى
وإلياس والخضر من أولياء الله تعالى، وبقاء إبليس عدوّ الله، وهؤلاء ثبت بقاؤهم بالكتاب
والسنة، وقد اتفقوا عليه وأنكروا جواز بقاء المهدي عجل الله فرجه ص102.
2ـ ابن
طلحة في مطالب السؤول: (ولا يستغرب تعمير بعض عباد الله المخلصين ولا امتداد عمره
إلى حين، فقد مدّ الله أعمارَ جَمْعٍ كثير من خلقه من أصفيائه وأوليائه فمن
الأصفياء عيسى، ومنهم الخضر، وخلق آخرون، فأي مانع يمنع من امتداد عمر الصالح
الخلف الناصح) ج2 ص 78.
وأما إلياس فقد دلت الأحاديث
الشريفة الصحيحة من طرق إخواننا السنة على أنه رزق طول العمر كالخضر، وإنه حي يرزق
ولم يمت لحد الآن.
ثم عرّج المؤلف على مقامات
الخـضـر الشـاخـصـة في الأمصار الإسلامية التي يرتادها المسلمون للصلاة كمقامه
عليه السلام في بيت المقدس، ومسجد الكوفة، والسهلة، وفي بغداد، والسماوة، والإسكندرية،
والراشدية، وفي مصر، والشام، وإيران وغيرها، ثم أورد قصصا ونوادر متعلقة بالخضر
دليلاً على وجوده وحياته.
وخلاصة البحث أن الإمامية
بكاملهم، وجمعا من أهل السنة والصوفية جميعا يؤمنون ببقاء النبي الخضر عليه السلام
حيا بقدرة الله تعالى وهو أطول عمرا بكثير من الإمام المهدي عجل الله فرجه، وإذا
جاز للبعض إنكار وجود الإمام وطول عمره فليس له الحق في إنكار قدرة الله تعالى، وجاء
الكتاب في 208 صفحة بالحجم الرقعي صادرا عن دار الكتاب الإسلامي في إيران.
ودعونا الآن نأخذ مثالا آخر
يكون بمثابة التدريب على معايرة أمور الصوفية وغيرهم وقصصهم جميعا في السودان
وغيرها من الأقطار وردها إلى الشرع الذي جاء من عند الله عز وجل ونبيه الكريم صلى
الله عليه وآله وصحبه وسلم، لأن أخذها هكذا على علاتها وبدون تمحيص، يعد خطرا
عظيما، وبلاء جسيما، فمثلا الحديث الذي قيل فيه إن الصحابي الجليل بلال بن رباح
الحبشي قد رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والذي جاء فيه أنه رضي الله عنه
وأرضاه دخل مرة على النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في عيد الأضحى، فسأله صلى
الله عليه وآله وصحبه وسلم بم ضحيت يا بلال، فأجابه بلال بديك يا رسول الله، فقال
له النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم مؤذن ضحى بمؤذن، والحديث السابق كما حكم
عليه علماء الحديث، موضوع، تهالكت قرينتيه اللفظية والمعنوية في آن واحد وفقا
لمصطلحات علم الحديث، فكيف يقر النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بلالا على
فعله هذا، وهو نفسه صلى الله عليه وآله وسلم لم يجوز الأضحية بالطيور، فسبحان
الله، ومن هنا فإن أمر المشي في الماء أو الطيران في الهواء، أمر مستهجن شرعا،
فإذا كان جائزا لحباه الله عز وجل لنبيه الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
وأيده به، ولصحابته الكرام من بعده، وما ذلك على الله بعزيز، والفارق في هذه
الحالة هو أنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم نبي مرسل يتم تأييده بالمعجزات
والخوارق، وصحابته أشرف وأكرم من هؤلاء الأولياء الصالحين المزعومين أو المفترى
بهم أو عليهم بكل تأكيد، ولكننا نجد أن الله عز وجل قد نزههم منه.
وهناك
دليل آخر من قصص المتصوفة في السودان فحواه فساد رأي من يعتقد في الأموات سواء
كانوا أولياء صالحين أو غير ذلك، وهو ما ذكره البروفسير عبد الله الطيب – رحمه
الله – أيضا في كتاباته من أنه يوجد بناحية أتبرا - وهي نفسها عطبرة بعد تعريب
اللفظ - ولي صالح يقال له عبد المعروف، له
قبة ظاهرة ذكروا أنه حلف عنده رجل كاذب
فخرج من البنية كما يزعمون خروف يقول باع باع!، ويا لسخافة هذه القصة التي تذكرن
بأفلام الرسوم المتحركة، ويا لسذاجة مخترعها البائس، فلماذا يحلف هذا الرجل الكاذب
عند البنية، ألأن خشيته لها وللولي المقبور فيها، وخشية الناس المتجمهرين وراء هذه
الترهات، أشد من خشية الله عز وجل، ألا قاتل الله الجهل وما يفعله بالجاهلين.
وقد
أنكرت هذه القصة السالفة الذكر قصة أخرى يقال أنها حصلت أيام المهدوية، رواها
البروفسير عبد الله الطيب – رحمه الله – أيضا في ذات السياق حيث ذكر أن أمة
استجارت بعبد المعروف هذا - تستجير بالمخلوق الميت وبحرمته فيا لضيعة الإيمان -
لأنها قد كرهت جور سيدها عليها، أو كأنها أبقت كما يأبق العبيد، فجاء يناديها
لتخرج من داخل البنية - وهذا السيد الآثم
بالجور على أمته يراعي حرمة البنية ولا يراعي حرمة الله عز وجل -وهي لا تجيب، وهو
لا يجسر أن يقتحم عليها البنية من خوف أن ينكبه عبد المعروف غيرة على حرمه - وهنا
عادت الحياة للميت، أي بعث قبل ميعاد البعث، وأصبحت له قدرة على نكب الآخرين -
فجاء بقاري له حصان وحربة، فوجده على تلك الحالة فسأله، فعلم من أمره فدخل فأخرج
الأمة صاغرة داحرة، واشرأب الرجل ليشكر البقاري ويقود الأمة، فقال له البقاري إنك
عجزت أن تأخذها من هذا الميت، أفتطمع أن تأخذها مني أنا الحي، والقصص كثيرة جدا،
فإذا ما سمع بمثل هذه الترهات توجب أن توزن بميزان الشرع الحنيف حتى لا يتم الوقوع
في حبائل الشيطان الرجيم، هذا والله أعلم.