إذا أردت كمسلم أن تعرف مدى توفيق المولى عز وجل لك، فانظر إلى مدى توفيقه لك في أداء الصلوات المفروضة وفي دعائه من خلالها، فإن الصلاة في حد ذاتها توفيق إلهي مباشر لكل من تصدق نيته من المسلمين في طاعة الله سبحانه وتعالى، وترتفع همته في سبيل ذلك، وهي مع الدعاء تعتبران امتيازا لا يقارن بأي إمتياز آخر من إمتيازات هذه الحياة.
ونحن نصلي لله عز وجل وندعوه لأنه أمرنا بذلك وحثنا عليه، ووعدنا بالطمأنينة والسكينة والسلام الداخلي والخارجي من خلالهما، ولا شك أننا نريد الفوز بهذه الأفضال والمنح والعطاءات جميعها، والإستفادة القصوى من هذه التدابير الإلهية السخية والمبهرة جدا، فهي تدابير قد أعدها لنا خالق هذا الكون ومدبره وحاكمه وحافظه.
والسبب الأهم في كون أننا نصلي لله عز وجل وندعوه يتمثل في حقيقة محبته الخالصة لنا، وتلطفه بنا، لأنه يريدنا بالقرب منه دائما وموصولين به باستمرار، ويريد أن يشعرنا بهذا القرب وبهذه الصلة عن طريق الصلاة والدعاء، قال تعالى: "كلا لا تطعه واسجد واقترب"، وعلى سبيل التمثيل والتصوير بغرض تقريب الصورة فإن الصديق الحقيقي لا يكلم صديقه فقط عندما يكون محتاجا إليه، بل يعرب عن اهتمامه الأصيل به ويسعى إلى معرفة المزيد عنه بكل قوة وحرص، فتقوى أواصر الصداقة بينهما كلما عبرا بحرية عن أفكارهما ومشاعرهما والأمور التي تشغل بالهما، وهذه العلاقة بين الصديقين تشبه إلى حد ما علاقتنا بالمولى عز وجل من خلال الصلاة والدعاء، وذلك لأنهما وسيلة من الوسائل التي نعبر بها أمام الله عز وجل عن أفكاركنا ومشاعرنا الخفية والدفينة، وإن كان يعلمها مسبقا لأن علمه مطلق ولا يحده حد، ولكن فعل ذلك يساعدنا على الإقتراب أكثر منه، والإحتماء بجنابه الذي لا يضام.
ولا يكفي أن نقر بإيماننا بالله عز وجل لفظيا وأنه موجود وقريب يسمع ويستجيب صلواتنا ودعواتنا، ليكون إيماننا به إيمانا حقيقيا وصادقا، بل يلزم أن نبرهن على إيماننا هذا بالأعمال، ويجب أن تظهر طريقة حياتنا اليومية أننا نملك فعلا إيمانا حقيقيا وصادقا، وهذا وحده ما تستطيع أن تعبر عنه الصلاة الحقيقية ويجسده الدعاء اليقيني والواثق.
ويريدنا المولى عز وجل أيضا أن نصلي إليه وندعوه بتواضع وإخلاص، وتذلل وخشوع، ومحبة وثقة، فعلى سبيل الإيضاح، عندما يتسنى للناس فرصة مخاطبة ملك أو رئيس جمهورية، فإنهم يكلمونه عادة باحترام ورهبة تبجيلا وتقديرا لمركزه الرفيع، ولهذا فإنه من الأحرى أن نعرب عن فائق احترامنا ومحبتنا وتقديرنا للمولى عز وجل عندما نتقرب إليه بالصلاة وندنو منه بالدعاء، ومن الضروري جدا أننا عندما نصلي إليه أن نصلي بطريقة تظهر أننا نعترف بمكانتنا المتواضعة أمامه جل وعلا، ويجب أن يدفعنا تواضعنا هذا إلى أن نقدم صلاة مخلصة نابعة من القلب، لا صلاة روتينية مكررين فيها الأمور نفسها.
ولكي تكون صلواتنا مقبولة ودعواتنا مستجابة علينا العمل بموجب ما نصلي من أجله وندعوا بسببه، ويريد الله عز وجل منا أن نبذل قصارى جهدنا لكي نعمل بانسجام مع صلواتنا وتناغم مع دعواتنا، فعلى سبيل المثال، إذا طلبنا من الله عز وجل أن يعطينا رزقا ويوسع لنا فيه، فينبغي أن نجتهد ونكد في أي عمل يمكننا القيام به حتى نتحصل على هذا الرزق، وإذا سألناه أن يساعدنا على تخطي أحد نقاط ضعف جسدنا الناقص، فعلينا أن نتجنب الظروف والمواقف التي قد توقعنا في نقاط الضعف هذه، قال تعالى: "وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر"، وبالإضافة إلى هذه المطالب الأساسية، هنالك أيضا أسئلة مهمة عن الصلاة والدعاء من الضروري أن نعرف الإجابة عنها.
ويمكننا أن ندعوا الله عز وجل في صلاتنا بأي أمر ينسجم مع مشيئته جل وعلا في مبتغى الخير والصلاح، وفي صلاتنا علينا أن نكون حريصين على تمجيده والثناء عليه فنحن نملك ما يكفي من الأسباب لنسبحه من كل قلبنا ونشكره على إصلاحه لنا ولشؤننا الحياتية.
كما يجب أن نكون شاكرين وممتنين لأن خالق الكون الفسيح قريب من كل الذين يصلون إليه ويدعونه بطريقة صائبة، قال تعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون"، فلنستفد إلى أقصى حد من امتياز الصلاة الثمين والدعاء الرفيع، وهكذا نحظى بفرصة الإقتراب أكثر من خالقنا جل وعلا، قابل الصلوات والمثيب عليها، وسامع الدعوات ومجيبها.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"الصلاة عمود الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين".
وقال أيضا:
"الدعاء مخ العبادة".
مجدي الحاج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق