يقصد
بمصطلح التراكيب الإسمية الصيغة المكونة للإسم العلم سواء كانت مفردة أو ثنائية أو
ثلاثية أو رباعية، أو فوق ذلك كيفما اتفق، ومثاله فلان، أو فلان بن فلان، أو فلان
بن فلان بن فلان، أو فلان بن فلان بن فلان بن فلان، وهكذا، ويكون هذا الإسم مذكرا
في العادة، وتتصل جزئياته إن وجدت بلا الرابط ابن فيما بينها، ويصبح لهذا التركيب
الإسمي مدلول واضح، ومعنى بارز عند تحري ذلك، فمثلا محمد علم مذكر مفرد له مدلول
عميق، ومعنى مشهود، فإذا أضفت إليه علما مذكرا آخرا كالصادق مثلا، يصبح التركيب
الإسمي مكونا في هذه الحالة من علمين مذكرين هما محمد والصادق، وعند تحري
مدلوليهما يكون المعنى كالتالي محمد أي الرجل الذي صفته التحميد لطيب فعاله، وحسن
سجاياه، وهو في نفس الوقت يتمتع بصفة الصدق التي تستوجب الحمد من الناس، وإذا
اعتبرت هذا في خلدك، وأعملت تفكيرك فيه بقليل من المشقة، فإنه يتضح لك أنها جملة
مدحية تستهدف النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، لذلك فإنه يتوجب أن يكون أحد
أجزاء التركيب الإسمي غير المفرد، من ضمن أسماء النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
المعتمدة شرعا، أو أحد صفاته أو كناه المشهورة، أو أي صفة حميدة، أو خصلة فريدة،
يمكن اعتبارها مدحا يحال على ذاته الشريفة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وعلى
هذا الأمر تدور معظم الأسماء في العالمين الإسلامي والعربي عموما والسودان خصوصا.
وهذه
الخاصية العجيبة، والفكرة النجيبة، تعد من ضمن تكريم الله عز وجل لنبيه الكريم صلى
الله عليه وآله وصحبه وسلم، الذي رفع ذكره، واستعلى قدره، حتى إن التسمية بمحمد أو
أحد أسمائه صلى الله عليه وآله وسلم تعد من موجبات البركة، ومجلبات اليمن بلا شك،
وهي تفسر قوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم:"خير الأسماء ما حمد
وعبد"، فالتعبيد في التسمية يستوجب العبودية الحقة لله عز وجل، وكذلك فإن
التحميد يستوجب الحمد في تحري الأفعال والأقوال، فإن للأسماء بحكم أبعادها
النفسية، أثرا في تكوين شخصية الفرد المسمى بها، وفقا لمدلولاتها ومعانيها كما
قررت ذلك أحدث الدراسات النفسية التي سبقها الإسلام بحوالي خمسة عشر قرنا كاملا،
فقد عرف عن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، أنه كان يأمر أتباعه بإحسان
تسمية أبنائهم، واختيار أشرف الأسماء لهم، لذلك فقد قال أمير الشعراء أحمد شوقي
عندما عارض بردة البوصيري الشهيرة في المدح في نهج البردة، متحدثا عن سر نبوغه في
الشعر وفي غيره من العلوم، وعن سر عزته وتساميه بذلك، فهو يبين أن العلة وراء ذلك،
هي تسميته بأحمد تيمنا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد قال فيها:
يا أحمد الخير لي جاه بتسميتي
وكيف لا يتسامى بالرسول سمي؟!
وقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أيضا أنه قام بتغيير أسماء بعض الصحابة
رضوان الله عز وجل عنهم التي اكتسبوها في الجاهلية، إلى أسماء أخرى تمتاز بوداعتها
وحضها على مكارم الأخلاق، فقد جاء في الأثر عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أسلم
سلمها الله، وعصية عصت الله"، وهي أسماء لقبائل عربية عاصرت رسالته صلى الله
عليه وآله وصحبه وسلم، وكان مثلا يغير اسم حرب إلى سليم أو سالم أو مسالم كيفما
اتفق، ويغير اسم ظالم إلى عادل، وهكذا، وقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عز وجل
عنه وأرضاه، أنه لقي رجلا فسأله عنه اسمه قال مسروق بن أجدع، قال عمر سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يقول:"الأجدع شيطان"، وبمقتضى الحال
فإنه قد لوحظ بإحصائيات حقيقية، وبيانات دقيقة، أن أكثر الأسماء انتشارا على وجه
هذه البسيطة بين بني البشر، هي محمد وغيره من أسمائه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم،
كأحمد والمصطفى والمجتبى والخاتم والفاتح والوسيلة ومحمود والصادق والأمين والنور
وأبي القاسم والكريم والرحمن والمحلل والمبين والمحرم والمجير والعامل والآمر
والطاهر والطيب والزاكي والحاشر والعاقب والكاشف والماحي والنذير والبشير والحبيب
والسراج والمدثر والمزمل والمرتضى والداعي والمرضي والرضي والهادي والشفيع وطه ويس
كما ينص بذلك بعض أهل العلم فقد روي عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه قوله: "طه
تعني طالب الحق والهادي إليه"، ومن أسمائه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
مدني ومكي وقرشي ومضري وكناني وفهري وتهامي وحجازي وهاشمي وعربي وعدناني، إلى غير
ذلك من الأسماء والصفات التي تليق بمقام النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم،
فإذا ورد اسم نبي مرسل بشر برسالته، أو صحابي مكرم نصره وآواه، أو فرد مبجل التزم
بمنهجه، فإنه يناله من المديح ما يناله وفقا لهذه الخاصية أيضا، وللمزيد من
الإيضاح حول مضمون هذه الخاصية السالفة الذكر، تساق الأمثلة والشروحات التالية على
كثرتها:
1ـ
بشير صالح حسن، تركيب إسمي عند تحليله وفقا للقاعدة السابقة يكون مضمونه جملة
مدحية تعني أن البشير محمد صلى الله عليه وآله وسلم، هو رجل صالح القول والفعل،
كما أنه حسن الأخلاق، وهي جملة مدحية استهدفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، جاءت
عند جمع الأجزاء المكونة لهذا التركيب الإسمي، والتي يلزم وجود اسم من أسمائه
المتعارف عليها شرعا، أو أحد صفاته أو كناه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في أحد
أجزائه، أو حتى أي صفة حميدة، أو لفظ مريح، يتخيل معناه ويحال في مدح المصطفى صلى
الله عليه وآله وصحبه وسلم، ليتم تقبل الصيغة المدحية في وجهها العائد على النبي
صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، كما بينت القاعدة الخاصة بصيغ التراكيب الإسمية
السالفة الشرح.
2ـ
أحمد شوقي، تركيب إسمي آخر، عند تحليله يعني أن النبي أحمد صلى الله عليه وآله وصحبه
وسلم هو شوق قائله، ومثار مكامن حنينه، لأنه أكمل البشر وأفضلهم على الإطلاق.
3ـ
الطيب علي محمود، يعني أن الطيب صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، علي شأنه، محمود
صنيعه.
4ـ
تيسير عزام الشفيع، يعني أن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، هو تيسير للخلق،
وعزام أي شديد العزم على الخير، وهو شفيع العصاة بإذن مولاه عز وجل.
5ـ
وضاح المجتبى عبد الكريم، يعني أن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وضاح
التقاسيم، وهو الذي اجتباه المولى عز وجل لتبليغ رسالته الخاتمة، وهو عبد لله
الواسع الكرم على الرغم من ذلك.
6ـ
سيف الإسلام الوسيلة محمد أحمد، يعني أن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، سيف
سله الله عز وجل لنصرة دينه الحنيف، وهو الوسيلة المبتغاة لنيل رضى المولى عز وجل،
وهو محمد الفعال، أحمد الأقوال لأنه لا ينطق عن الهوى.
7ـ
مكي عامر النور، ويعني أن النبي صلى الله عليه وصحبه وآله وسلم المنسوب إلى مكة،
هو نور الخلائق، لأن الهداية لا تكون إلا عن طريقه في ظلمات الحياة، وهو عامر
بخصال الخير، ومستلزمات الكمال.
8ـ
ياسين الإمام، وعلى الرغم من اختلاف أهل العلم في اعتماد بعض الحروف الإفتتاحية في
سور قرآنية بعينها، كأسماء للنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، إلا أنها تقبل
عندنا للمزيد من التوضيح اللازم، حول خاصية مدح التراكيب الإسمية للنبي صلى الله
عليه وآله وصحبه وسلم، وهي في هذا المثال تعد النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
إمام الحق الذي أرسله الله عز وجل بالقرآن الكريم وأسراره العظيمة من نحو سر
الحرفين ياء وسين وطاء وهاء.
9ـ ناجي مؤمن الأمين، ويعني أن النبي صلى الله
عليه وآله وصحبه وسلم ناج بإيمانه المكتمل، هو وكل من اتبعه بإذن الله عز وجل، وهو
الأمين على أمانة الدين وعلى أمانة النفس والمال والعرض.
10ـ
صابر الهادي صلاح، ويعني أن النبي صلى الله عليه وصحبه وسلم صبر على أمر الدعوة
حتى أدى الأمانة وبلغ الرسالة، وهو الهادي إلى الخير بمشيئة الله عز وجل وليس
بمحبة نفسه وهواها، ولذلك فهو صلاح لأتباعه من المؤمنين.
وعلى
هذا الأساس المتقدم ذكره، والشرح المسفيض أمره، يمكنك أن تختبر جميع التراكيب
الإسمية التالية، والتي قد يكون اسمك واحدا منها، لترى هل يصح اعتبارها مدحا للنبي
صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، عند تحليل معناها، وتنقيب مضمونها:
11ـ
محمد الحسن الفاروق،
12ـ
رفيق هانيء أحمد،
13ـ
طه المهدي عبد الصمد،
14ـ
محمد حسين الشريف،
15ـ
منصور حجازي أبو المعالي،
16ـ
حسام الدين أبو القاسم يحيى،
17ـ
الماحي نور الدائم،
18ـ
التهامي سليمان حمدون محمد صالح،
19ـ
نابغ مصطفى الرضي راشد،
20ـ
رؤوف ضرغام أحمد الحكيم،
21ـ
فريد صفي الدين العاقب،
22ـ
سعد فيصل الرشيد الهاشمي،
23ـ
مصلح عادل بدر أحمد حماد،
24ـ
الواثق عطاء الله النذير،
25ـ
مزمل علي أبو الهيجاء،
26ـ
محب الخطيب عبد الله الطيب،
27ـ
حمد جاد الرب مدثر،
28ـ
جمال النعمة أبو القاسم،
29ـ
عصام عبد الرحمن الصادق،
30ـ
مجاهد سراج الدين محمد الفاضل،
31ـ
محمد جمال الدرة،
32ـ
معلى محسن الفقيه محمد قرشي،
33ـ
همام فيضي سليم طه،
34ـ
أريج الطاهر عبد الله مدني،
35ـ
إمتثال الطيب منير سالم،
36ـ
سعيد رضا محمود السيد،
37ـ
إحسان عبد القدوس أحمد،
38ـ
محمد قمر الزمان سليم،
39ـ
المصطفى تاج الأصفياء الكامل،
40ـ
إيمان البحر أحمد عربي،
41ـ
سلوى محمود الحسن،
42ـ
إبتهاج كرار الطيب سند،
43ـ
عبير صفوت سيد أحمد،
44ـ
بسام نور الدين أسعد محمد،
45ـ
غرة الدهر أبو اليتامى أحمد،
46ـ خالد الأصم عبد الرحيم أحمد،
47ـ نادر محمد أكرم إصلاحي،
48ـ علا أيمن محمود مسرور،
49ـ إخلاص مسلم الحاج أحمد،
50ـ المأمون الخاتم علي الحبيب... إلخ.
ومن العجائب واللطائف التي
ينبغي أن تذكر أنه يلاحظ أن أغلب المشاهير في العالم الإسلامي وفي شتى الضروب
والمجالات التي قد يكون بعضها ساميا ضمنا ومذبذبا علما يحملون تراكيبا إسمية
تتماشى مع الخاصية السابقة من نحو مصطفى كمال ـ أتاتورك ـ وعبد الله الطيب ومحمد
منير وطه حسين وأحمد شوقي وعبد المنعم محمد وفتح الرحمن البشير ومصطفى سيد أحمد ومحمد
مهدي ـ الجواهري ـ وأحمد ياسين ومحمد جمال الدرة ومحمد عبد الوهاب وغير ذلك من
الأمثلة.
ومما
ينبغي ذكره أنني قد قابلت في يوم من الأيام الإعلامي السوداني المعروف الأستاذ
يوسف قباني وكان ذلك اللقاء في كافتيريا مبنى الإذاعة والتلفزيون في أم درمان من
أجل التنسيق لعمل مقابلة إذاعية في برنامجه ونسة عصاري على أثير إذاعة أمدرمان FM
100
وقد أخبرني الأستاذ قباني ضمن مجريات الحديث الذي دار بيننا
أنه لما هم بتسجيل ابنه ضمن كشوفات مدرسة كمبوني في الخرطوم وهي مدرسة كنائسية ذات
أجندة واضحة ومعروفة انضم لها وللأسف الشديد الكثير من أبناء المسلمين في السودان تحت
دعوى جودة التعليم الدنيوي فيها، ذكر قائلا إن القائمة على تسجيل الطلاب الجدد
كانت خواجية طليانية على حد تعبيره سألته عن اسم ابنه للتسجيل فلما أخبرها أن اسمه
محمد امتعضت الخواجية وفتحت له دفتر التسجيل لتخبره أن لديها في صفحة واحدة ما
يزيد على الثلاثين طالبا من المسلمين يحملون اسم محمد فقالت معترضة: "كله
اسمه مخمّيد" وفقا لنطقها، مما جعل الأستاذ يوسف قباني جزاه الله خيرا يتراجع
عن فكرة إلحاق ابنه بهذه المدرسة لما رأى من علامات كراهية النبي صلى الله عليه
وعلى آله وصحبه وسلم في وجه هذه الخواجية الكافرة.
فصلوا
عليه يا عباد الله إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا
عليه وسلموا تسليما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق