الثلاثاء، 7 أغسطس 2018

رأيي الشخصي حول فصاحة اللهجة العربية في السودان - مجدي الحاج


بخصوص هذا الموضوع ولكي نكون أكثر دقة علينا أن نسأل أولا  عن ماهية المعايير العلمية التي تجعل أي من اللهجات المحكية في العالم العربي أقرب من  الأصل الفصيح للغة العربية أكثر من غيرها.

وبخصوص لهجة السودانيين فعلى بعض الإخوة العرب عدم التطرق لذكر أمثلة لا يعول عليها محاولة منهم لإبعاد صفة الفصاحة عن اللهجة السودانية فكثير منها مأخوذ من بعض المشاهد الإعلامية التي تعمد بعضها تشويه المحكي السوداني لأسباب تخص صانعيها فلم أسمع سودانيا واحدا من محترفي اللسان العربي حتى هذه اللحظة يقول لرقم تسعة: "دزعة" كما يدعون.

 ناهيك عن كون هذه الأمثلة إن صحت تنزع نزوعا واضحا لقاعدة التخفيف اللفظي وهي قاعدة متبعة في الفصحى نفسها أكثر من النزعة الإقلابية التي يستشهد بها المنتقدون لفصاحة اللهجة السودانية وحتى هذه النزعة تعتبر من صميم الفصحى فالإقلاب من فنون تجويد القرآن الكريم مرجع العربية الأهم والأقدس.

 ثم إنه يتوجب علينا حتى نكون أكثر دقة إجراء جدولة متخصصة تحتوي على عملية مقارنة ذات منهجية استقرائية دقيقة مع باقي اللهجات في الوطن العربي حتى يجوز لنا الحكم بقرب أي من هذه اللهجات أكثر من غيرها للفصحى.

علما أنني أميل لاعتبار لهجة عرب السودان هي الأقرب للفصحى ميلا شبه جازم وذلك ليس لكوني سودانيا أو مجرد تعصب وحمية مني كما قد يفهم البعض ولكن لأن سلوك المنهج العلمي يخبر بذلك فغالبية ألفاظ هذه اللهجة ذات أصل قرآني صميم ومعجمي متخصص.

ومما ينبغي التنويه إليه أن ناقلي العربية إلى السودان قد عاشوا في شبه عزلة  جغرافية وثقافية مع قوة العناصر الأصلية حولها والتي كان من الممكن أن تذيبهم وتصهرهم معها عرقيا ولسانيا ومع ذلك فقد تمكنوا من الحفاظ على جودة لسانهم الأصيل وإن تمازج هذا اللسان فعليا مع اللغات السودانية المحلية الأصلية والأصيلة أيضا وما ذلك إلا لأنهم كانوا معلمين لكتاب الله عز وجل وللخير ولمكارم الأخلاق الإسلامية.

ومن الجميل جدا أن أهلنا في الحجاز العربي  - وهو المهد الجغرافي الأهم في تاريخ العربية لأنه موطن نزول الوحي القرآني المطهر ومنشأ النبي القرشي أفصح العرب بيد أنه من قريش واسترضع في بني سعد - من الجميل جدا  اعترافهم بأثر اللهجة السودانية في واقعهم الحياتي وذلك لقربها من فطرتهم الفصيحة قديما.

والتاريخ يخبرنا إن أهل الحجاز في العهد القريب كان لهم اتصال مباشر مع "أولاد عباس" - وهو مصطلح حجازي لعرب السودان - القادمين من السودان بتجارتهم وقصصهم ولهجتهم عن طريق السفن والمراكب من نوع "السنبوك" كثيرة التجوال بين مينائي سواكن في ساحل البحر الأحمر شرقي السودان وبين ميناء جدة القديم.

وقد كان أيضا لكثرة المجاورين من عرب السودان في مكة والمدينة أثر كبير في نقل لهجتنا العامية إلى أرض الحجاز وللتأثير الثقافي  السوداني هناك أكثر من دليل.

ولمحمد عبده المطرب المشهور حديث صحفي يعترف فيه بأثر الغناء السوداني في تكوين الوجدان الغنائي في السعودية ابتداءا من الحجاز.

ولمن تثار عنده حفيظة الإستغراب والتساؤل المشروع حول كيفية تأثير السودانيين على الحجازيين بينما من  المفترض أن يحصل العكس أقول إن السودان والحجاز كانا  متصلين من القديم جدا حتى من قبل الإسلام بل إن الصلات بين اليمن الحميرية والقرن الأفريقي بما في ذلك السودان الحالي معروفة مشهودة، وقد زاد حجم التأثير الثقافي السوداني على الحجاز بعد مجموعة من الإجراءات التي قامت بها الدولة العثمانية أيام سطوتها في المنطقة وغالبها ذو طابع سياسي لم يجعل متنفسا لأهل الحجاز إلا روابطهم المتينة والصادقة مع السودانيين، فقد كانت سواكن في شرق السودان تابعة لإمارة مكة العثمانية وهو ما زاد من وتيرة التفاعل بين الحجازيين والسودانيين إلى أن ظهرت أخيرا النتائج التي تحدثت عنها أعلاه.

وقبل أن أنهي هذا الحديث أقول للجميع إن اختلاف الأعراق والثقافات واللغات واللهجات المشتقة منها يعتبر واحدا من آيات الله عز وجل في هذه الحياة كما قال في محكم التنزيل:

"ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين".

جعلنا الله وإياكم من هؤلاء العالمين حتى نتواصل ونتعارف دون تعال أو عصبية فالله قد جعلنا شعوبا وقبائل حتى نتعارف وجعل أكرمنا عنده أتقانا دون أن يسمح لنا بالتفاضل بيننا أو التفاخر وهكذا علمنا ديننا الحنيف.

ولعل الوقت يسمح لاحقا بإذن الله تعالى بنشر بعض الإيماضات المهمة حول فصاحة عرب السودان التي يجهلها الكثيرون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق