الجمعة، 13 يوليو 2012

لماذا تنصر الجنوب السوداني؟! وهل كان حقا له الخيار في ذلك؟!

الصل الأرقط تشارلز جورج غوردون "غوردون باشا"

   من المعروف في تاريخ السودان الحديث أن باشا السوء غوردون قد قتل على يد المجاهدين السودانيين من أنصار الثورة المهدوية، وهو لم يستطع أن ينصر كافة المسلمين في السودان كما كان ينوي، لكنه رفض الخروج من هذه الحياة كما يسَّر له شيطان الكفر والتعصب للكفر منهزما قبل أن ينفث بعض السموم من هنا وهناك، فبدأ كما تؤكد الشواهد التاريخية في تأسيس حاجز الكراهية والبغض في نفوس أبناء الجنوب السوداني ضد أقرب جيران لهم في الشمال بدون مبرر، لكي يحرمهم فقط من نور المد الإسلامي الباهر، الذي كان جديرا بالخلافة الإسلامية العثمانية التي انتدبته بصفة شخصية لحماية مصالحها في السودان أن تحفزه في تلك المناطق بدلا من الإنشغال بظلم العباد وقهرهم، وقد انطلت هذه الحيلة القذرة جدا على بعض من الجنوبيين، فاستجابوا بدون وعي لإرادة المستعمر للشر في النفوس، والمستخرب للخير فيها إن جاز لنا هذا التعبير، فتهدمت فطرتهم كما أراد لها الدخيل الشرير فيما بعد، فتنصرت أجزاء كبيرة من أرض الجنوب الجريح، لكنني على ثقة تامة ومتعرقة في الوجدان، من أن جرحه وجراح غيره من الديار لن تندمل إلا إذا عالجها بلسم الإسلام الشافي.

   وليس هناك دليل أوضح من سياسة المناطق المقفولة أو المغلقة "closed areas"، كما يطلق عليها في المصطلح العسكري البحت، والتي ألزم بها الإنجليز الأنجاس أبناء الجنوب، والتي استوعبها قسم كبير منهم في وقت متأخر جدا من المتعلمين المنصفين بعد فوات الأوان، وعرفوا ما أريد بهم من شر من خلالها بعد انتهاء الوقت الثمين ولكن دون جدوى، فقد منع الإنجليز بقوة السلاح وقهر القوة، دخول العرب والمسلمين إلى أرض الجنوب حتى وإن كان الغرض تجاريا أو اجتماعيا لا غير، كما منعوا الجنوبيين من ارتداء الزي العربي الشمالي، بل وصل بهم الحد إلى منعهم من مصاهرة العرب والشماليين، كما منعوهم في قهر واضح من تسمية أبنائهم بالأسماء العربية، حتى وإن لم يكن لها بعد أو إيحاء ديني، فقط كان المسموح لهم التسمي بأسماء الإنجليز الغرباء الدخلاء القادمين من أوروبا أرض الثلج والصقيع والبرودة والضباب، والقاهرين بالشر والمستعلين بالباطل من أمثال بيتر وجون ومايكل وإدوارد...إلخ، أو التسمي بالأسماء المحلية الخاصة بهم حتى يوهموهم بأنهم مع خصوصية الثقافة، متعللين بعلل واهية جدا كمحاربة تجارة الرق وما سواها، وإن كان هذا من ضمن أخطاء أبناء الشمال العرب والمسلمين الكثيرة في أرض الجنوب الجريح والحائر، والتي ساهمت هي الأخرى بشدة نتيجة للجهل الغير متعمد بروح التعاليم الإسلامية الحقيقية ومغزاها المتكامل في توسيع الشقة والفجوة الخلافية بين الشمال والجنوب كثيرا فيما بعد.

   بينما سمح للتجار المسيحيين من الأرمن واليونانيين والشوام، من ممارسة النشاط التجاري بكل حرية وارتياح تام، ووجدوا العديد من التسهيلات والإمتيازات، وأقطعت لهم الإقطاعيات، ولا تزال عوائل منهم باقية في السودان إلى هذا اليوم حتى تشهد على ذلك الظلم الممقوت، وبُعثت البعثات التبشيرية المغرضة، وأرسلت الإرساليات الهدامة، فكان أن حلت النقم العظيمة وتتابعت على أبناء الجنوب الذين حرم جزء كبير منهم من نور الهداية الإسلامي بسبب الإنجليز الأشرار، ليبقوا ضائعين في ظلام الجهل والخذلان، كغيرهم من الحيارى في هذا العالم إلا من رحم ربي.

   لكن مشاعل الدعوة إلى دين الله عز وجل ستبقى متقدة هناك وبشدة، ما دامت العزيمة الصادقة متوفرة، حتى تنقذ ما يمكن إنقاذه ممن تبقى من هؤلاء اللذين يعانون من ظلمة الكفر الداجية، وتهديهم بقبس من نور الإسلام الخالد، ومن شعلة الهداية المتأججة، وهذا أعظم واجب قد يناط بنا حمله على كواهلنا المتعبة، حتى نصدح باسم الإسلام عاليا في دنيا الخلود.
        
   وقد طهرت الثورة المهدوية أرض السودان من الصل الأرقط غوردون، بعد أن عاث فيها فسادا وتخريبا، ونكل بأهلها تقتيلا وتعذيبا، وبث فيها سمومه التبشيرية بالباطل، فها هو يقول في مذكراته الخاصة، التي تكشف بما لا يدع مجالا للشك عن لآمة طبعه، وحقارة أصله، وسوء سجاياه، وقبيح نواياه، والتي كتبت لها النجاة من الضياع لتكون لمن بعدها آية وحجة:
   "من الغريب أن هناك صفات عديدة تجمع بيني وبين يوحنا الرابع إمبراطور الحبشة، فهو مثلي متدين وشديد التعصب، وله رسالة في الحياة يحرص على أدائها، وهي تنصير كافة المسلمين".
   أليس هذا وحده يعتبر كافيا ليكشف عن حقيقة المهام القذرة التي كان يقوم بها هذا الغوردون، الذي كرمته الخديوية العثمانية في مصر، ومنحته لقب باشا، ذلك اللقب الذي لا يمنح إلا للنبلاء والفرسان، كتعبير عن الإمتنان والشكر نظير خدماتهم المقدرة في سبيل الحكم، وكرسي العرش، وعلى كل فهل كانت الخديوية ممثلة في إسماعيل باشا قد كلفته بهذا النوع من المهام، أم أنها لا تدري بحقيقة نواياه، فانظر إلى خيانة أمراء الإسلام الذين ولاهم الله عز و جل أمر أكرم أمة، فهذا الخديوي عضد خليفة المسلمين، يمكن من يريد السوء برعايا دولته، وهل من سوء يضاهي إضلالهم وإبعادهم عن جادة الحق، فإن كانت هذه نيته حقا فيا لها من طامة كبرى، ومأساة حقيقية، وإلا فهو جاهل جدا وساذج لدرجة التغرير به بمنتهى الإستخفاف، حتى يعلن خيانته لأمته، اللهم إن الجواب لن يخرج من هذين الإحتمالين البائسين، وما أكثر من يشبهه من حكام المسلمين اليوم.

   إلا أن الإستغراب والدهشة، لن يجدا لهما طريقا في نفوس المؤمنين، إذا علم أن ميتة كل من غوردون، ويوحنا الرابع إمبراطور الحبشة، قد تمت بنفس التفاصيل على يد المجاهدين من أنصار المهدوية، فقد مكرا مكرا كبارا تكاد تزول منه الجبال، و مكر الله عز و جل لعباده المؤمنين، وصدق عز من قائل: "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"، وقال أيضا: "ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون"، فالأول قتل في الخرطوم على يد المهدي نفسه، والثاني في المتمة الحبشية في معركة القلابات عام 1889م بقيادة محمود ود أرباب وقيل عبد الله التعايشي.
  ومن قبل فقد قتل كلب الإنجليز هكس في معركة شيكان الشهيرة، والحقيقة الواضحة أن غوردون قتل وهو لم يستطع تنصير كافة المسلمين، لكنه استطاع أن يبث بعض السموم من هنا وهناك ضد المسلمين، وذلك ببداية تأسيس حاجز الكراهية والبغض بين شمال السودان المسلم، وبين جنوبه الذي كان يمكن أن يكون كله مسلما، لولا أنه أصبح فريسة سهلة للمستخرب الإنجليزي النصراني، الذي خرب نفوس أهله الوادعين، وهدم فطرتها السوية بإبعادها عن دين الفطرة الحق، ألا وهو الإسلام، قال تعالى: "ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين"، فاستجاب بعض من هذه النفوس الحائرة، لأمر الدخيل الشرير فيما بعد، وتنصر، فكانت هذه أكبر مصيبة تحل عليها، إذ حرمت من نور الهداية لتبقى ضائعة في ظلام الجهل والخذلان.
 وهكذا فإن أعداء الأمة الإسلامية، وأعداء السودان الوطن المسلم، لن يرتاح لهم بال، ولن يهدأ لهم طرف، حتى يروه منغص العيش، مكدود الحياة، وذلك بزرع بذور الفتنة الشعوبية النتنة، والطائفية الدينية الهوجاء، بين شمال السودان وبين جنوبه كما يصور لهم شيطان كفرهم اللعين، وقد نجحوا أيما نجاح، فأثمرت مجهوداتهم الشيطانية الحثيثة انفصال أرض الجنوب عن أرض الشمال.
 
حسبنا الله ونعم الوكيل...
السنوسابالسنوساب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق