الخميس، 28 يونيو 2012

إفادتي لوكالة أنباء الشعر حول قوقعة الأديب السوداني على نفسه وغيابه عن المشهد الثقافي - خيار أم واقع مفروض

الشاعرة السودانية المهندسة منى حسن محمد
   


تحقيق منى حسن محمد - وكالة أنباء الشعر - السودان
   

   برُغم تاريخه الثقافي الحافل المنقوش على مسار القرن المنصرم، والذي حمل طابعه الخاص عبر استلهام مراحل تاريخية متعددة، وإرث حضاري متميز وثري، يعود إلى ممالك النوبة القديمة في مروي في القرن الثامن قبل الميلاد، ظلَّ الأدب السوداني مغمورا ، أو معزولا - إن صح التعبير- وظل الأديب السوداني غائبا عن الساحة الأدبية العربية، وقليل الظهور فيها، وبرغم ظهور بعض الأدباء السودانيين عربيا وعالميا، إلا أن هذا البلد- القارة – ما زال به إرث ثقافي وأدبي عظيم لم ير النور، وشعراء وأدباء عمالقة رحلوا دون أن يسمع العالم بهم وبأدبهم.

الدكتور صديق عمر الصديق

د. الصدّيق عمر: لا حيلة للأديب السوداني في الوصول إلى القرّاء

   يرى الدكتور الصديق عمر الصديق عميد معهد البروفسور عبد الله الطيب بجامعة الخرطوم، أستاذ الأدب والنقد بجامعة الخرطوم، وعضو مجمع اللغة العربية بالسودان أن: الأديب في السودان لا حيلة له في الوصول إلى القراء العرب، والأمر من هذه الجهة فيه مشاهد متعددة ففي السودان الأمر من قديم يجعل الأدب والشعر والفن رهينة مكانة السودان في البلاد العربية إذ إن الأمر لا يخلو من النظر إليه من نظرية المركز والهامش، بدليل أن الذين انتشروا من الأدباء السودانيين إما أن يكونوا قد انطلقوا من عواصم عربية أو غير عربية كالطيب صالح الذي عاش في لندن والدوحة وكالفيتوري الذي عاش في مصر وليبيا والمغرب، والفيتوري نفسه لم يكن وحده من انطلق من مصر بينما كان معه تاج السر الحسن وجيلي عبد الرحمن وكتب عنهم الناقد المصري زكريا فجاوي وسماهم الشعراء السود، منبها إلى مكانتهم، لكن جيلي وتاج السر عادا إلى السودان وبقي الفيتوري يعيش في البلاد التي ذكرنا. والأمر مثله في حق عالم أديب كبير كعبد الله الطيب الذي عُرف أيضا من مصر، وكذلك عرف في المغرب وفي نيجيريا، إلا أن مكانته التي يستحقها أكبر من الشهرة التي حازها، وعلمه في موسوعيته وسعته أكبر من علماء مشهورين جدا في البلاد العربية كلها، وشاعر كمصطفى سند لما ظهر ديوانه البحر القديم، لم يجد م الذيوع العربي ما يستحقه، وظل مغمورا عند أكثر العرب إلى يومنا هذا. والتجاني يوسف بشير الشاعر السوداني الكبير الذي توفي سنة سبع وثلاثين عن خمس وعشرين سنة كانت موهبته خارقة بشهادة إبراهيم ناجي الذي احتفظ بديوان التجاني خمس سنوات ولم ينل ما يستحقه من الشهرة حتى الآن إذا ما قورن بأبي القاسم الشابي الذي هو في طبقته تماما، ويشبهه في أدوار الحياة وفي الاتجاه الشعري، والسبب في هذا كله أن السودان دولة من دول الهامش العربي التي لم تستضف الخلافة العربية كما هو في بغداد ودمشق ومصر والرباط، ولا يتوقع الناس منا أننا نزخر بهذا الثراء العجيب، بل إن أفكار عبد الله الطيب في كتاب المرشد إلى فهم أشعار العرب ( وهو من أفضل ما كتب في قضايا الشعر العربي وتراثه)، استُنسخت وسُرقت ودخلت في كتب كثير من الأكاديميين الذين استحلَّوا سرقتها لثقتهم في خمول مصدرها .


   وأضاف الدكتور صديق عمر الصديق قائلا: في عصرنا هذا أصبحت هناك وسائل أخرى يستطيع الأديب السوداني أن يجعل لنفسه مكانا فيها، وأعني هنا العالم الافتراضي الذي صنعته الشابكة ، ولكن هذا الأمر نفسه له صله أيضا بتقدم البلدان وأحوالها الاقتصادية التي توضح تباينا كبيرا في امتلاك أجهزة الحاسوب والتعامل مع الشابكة على مستوى القاعدة مما ينعكس على عدد الأدباء الذين يدخلون هذا العالم الافتراضي المهم.


   أيضا الأديب السوداني من أمة شفاهية لا تهتم بالتوثيق كثيرا للأديب والمبدع في حياته، وللأسف فقد غاب عن عالمنا كثير من علمائنا السودانيين بعلمهم، وأدبهم، وفنهم، دون أن يُوثق لهم, ولذلك غاب الكثير من الأدب السوداني عن محيط الأدب العربي الكبير.


   كما أضاف أن مجال البحوث والدراسات والنشر والتوزيع في مجالات الأدب العربي في السودان يحتاج إلى مزيد من المجهودات لخروج الأعمال إلى النور وتوزيعها بشكل جيد، فنحن نمتلك ملايين الوثائق الأدبية والثقافية لكنها لم تر النور، كذلك الحال في منطقة غرب إفريقيا، والمغرب العربي، وغيرها من الدول الناطقة بالعربية، أو غير الناطقة بالعربية و بها أدب عربي، مثل مالي.


 
الأستاذ الشاعر محي الدين الفاتح

محي الدين الفاتح: ضعف الإمكانات يغيّب السودان عن الفعاليات العربية

   الشاعر والكاتب السوداني الكبير الأستاذ محي الدين الفاتح يرى أن الواقع في المشهد الثقافي والأدبي السوداني لا يوصف بالقوقعة، لكنه يمكن أن يوصف بالتخفي أو عدم الظهور المناسب مع حجم السودان وقدرات أدبائه وشعرائه ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها:

1- مزاج الشخصية السودانية نفسها التي تميل إلى التواضع ولا تبحث عن الأضواء مباشرة.

2- وقوع السودان في منطقة الهامش الثقافي للمنطقة العربية تحت ظل الوجود الإعلامي المصري الطاغي، مما أدى إلى خفاء الأدب السوداني ولذلك عمد بعض أعلام السودان إلى الظهور في القاهرة مثل البروفسور الراحل عبد الله الطيب والأديب الكبير الراحل الطيب صالح.

3- إشكالات الداخل السوداني التي لا تجعل الثقافة والأدب من أولويات واهتمامات الدولة والمجتمع، حيث تعتبر في كثير من الأحيان نوعا من أنواع الترفيه عند المهتمين، ونوعا من أنواع الفراغ عند غيرهم.

4- انحياز الإنسان السوداني إلى فلسفة الفقر والزهد التي تجعل منه شخصا مرموقا في مجتمعه الأُسري الضيق ويرجع ذلك إلى الأثر الصوفي العميق في التربية السودانية وقديما قال الأستاذ الناقد الراحل الدكتور إحسان عباس: الشعر السوداني مصاب بالصوفية المزمنة.

   كما أن إمكانات الأدباء المحدودة، وعدم دعم الدولة لهم تقف حاجزا بينهم وبين المشاركة في معظم الفعاليات العربية الشهيرة، ولذلك هو واقع مفروض على الأديب السوداني، والمحاولات التي تجري الآن مثل مهرجان ملتقى النيلين، ومهرجان شعراء السودان بولاية الجزية الأخيرة، تصب في اتجاه الخروج من هذه الأزمة.


أبو قرون: للإعلام دور كبير

   أما الشاعر القدير اللواء أبو قرون عبد الله أبو قرون نائب رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب السودانيين فقال: "سبق وسألت شيخ شعراء السودان الشاعر الشيخ عبد الله الشيخ البشير: لماذا يعرف العالم نزار قباني وغيره من كبار الشعراء العرب ولا يعرفون عبد الله الشيخ البشير أو مصطفى سند، أو التجاني يوسف بشير، أو محي الدين فارس ومحمد المجذوب وغيرهم من أعلام الشعر العربي في السودان؟! فقال لي: (تلك نجوم وجدت سماء ساطعة فلمعت، وأصواتٌ وجدت منابر عالية فسُمعت)، أما أنا فأعتقد أن للإعلام دور كبير في هذه القوقعة، ولكن بما أن منابر عديدة فُتحت أمام السودانيين بعد السبعينيات من القرن المنصرم مثل المربد والجنادرية والقيروان،... إلخ ، والتي ساهمت في التعريف بعدد من كبار الشعراء السودانيين. أيضا فإن للأدباء والشعراء السودانيون دور أيضا في هذه القوقعة وكأنما تأثروا كثيرا بمقولة: " القاهرة تفكر، وبيروت تطبع، والخرطوم تقرأ"، فاكتفوا بالقراءة وكتابة الشعر على استحياء، وكأنما ذلك أعطاهم شعورا بالدونية".

عبدالقادر أحمد سعد: أدباء السودان لم يهتموا بالتأليف

   أما الشاعر الدكتور عبد القادر أحمد سعد فيرى أن القوقعة مفروضة واختيارية في نفس الوقت، إذ أنها اختيارية من حيث الطبع السوداني المتأثر بالبيئة من حوله، وبالمناخ السوداني الحار الجاف، بالإضافة إلى تواضع الشخصية السودانية وميلها للبساط ، والذي يعد سببا مهما. أيضا يرى أنها مفروضة من حيث أن الوضع الاقتصادي للبلاد ينعكس على الأديب والشاعر السوداني في كثير من النواحي أبسطها الأمية التقنية، وذلك لعدم توفر الإمكانات للشاعر ليخرج بأدبه للنور سواء في النشر أو توفر سبل التقنية، هذا بجانب الظروف الاجتماعية وتدني مستوى آلية الإعلام والنشر والتوزيع مما جعل أعمال الكثير من كبار الأدباء والشعراء السودانيين لا ترى النور، إضافة إلى أن الأدباء في السودان اهتموا بالثقافة الشفاهية والعلم المنبري، ولم يهتموا بالتأليف والتدوين، ولذلك نجد أن مدونة الأدب السوداني ضئيلة وتحتاج للكثير من العمل المؤسسي للنهوض بها ولا زال هذا العمل فردي إلى الآن.


 محمد عمر عبدالقادر: الأديب السوداني غير مصاب بالكسل

   الشاعر محمد عمر عبد القادر، أمين أمانة العلاقات المؤسسية بالاتحاد العام للأدباء والكتاب السودانيين يرى أنه نسبةً لتأخر الاعتراف بالفعل الثقافي كدعامة مؤسسة جيدة للسياسي، ونسبةً لتأجيل التبدي بالمنتج الذي أصبح متراكماً مؤجلاً داخل الذات المنزوية تواضعاً إلى حين، المنتجة للثقافة والأدب السوداني، ونسبة لعدم استقلال واستقرار المسمى الوزاري وتعدد شاغليه وضياع المشاريع والخطط، نجد أن الأديب متقوقعا على نفسه قدَرا دونما إرادة منه، غائبا عن المشهد الثقافي بفعل غفلة الزمان التي جعلت من مصطلح الاختزال عرفا سائدا للفعل الثقافي في عدد قليل غير قادر على تسمية المشهد بكامله، بينما يحضر عدد آخر من الأدباء بشكل دائم ولكنه حضور ديكوري فقط، مما أدى إلي دبيب اليأس والغبائن في دواخل الأدباء سنين عددا.

   علما بأن الأديب السوداني غير مصاب بالكسل الثقافي، فهو منتج وإن كان في لجة الغياب وإن كان متقوقعاً ومنطوياً لأنه مؤمن برسالته وإحسانها.

   إذا جاز للسائل أن يطرح هذا السؤال: ( قوقعة في لجة الغياب) وإن كان متقوقعاً ومنطوياً لأنه مؤمن برسالته وإحسانها، ومنوط به استصحاب الحراك الوجداني الفاعل لكل فعالية لأنه هو الصلصال الذي يشكل نجاحات الفعاليات ذات الصلة إن كان شاعراً أو ناقداً أو ناثراً أو مؤرخاً وموثقاً، فقطعاً هو واقع مفروض وليس خياراً، ولا بد من حضوره مستقبلاً وذلك بما لديه من مكنون.


للشعراء الشباب رأي أيضا

الدكتور الشاعر مجدي محمد الأمين الحاج

د. مجدي الحاج: للسودان خصوصية وفرادة

   يرى الشاعر د. مجدي الحاج أن السودان كبلد يتميز عن غيره من البلدان بخصوصية وفرادة في جوانب عدة وحيثيات مختلفة تجعله في برزخ خاص ضمن محيطه العربي والإقليمي بل والعالمي أيضا، ذلك أن بلدا بحجم تاريخه وعراقة حضارته الضاربة في عمق العصور بما يتجاوز السبعة آلاف سنة جدير بأن يكون علامة فارقة بين البلدان وفي كل المجالات المعروفة والمتداولة والأدب والحضور الثقافي من ضمن هذه المجالات بكل تأكيد.

   كما إن أثر المدارس الأدبية التي تعاقبت على السودان منذ فجر تاريخه القديم لا يزال مشتعلا وإلى هذه اللحظة، وما يحدث في السودان ما هو إلا تلاقح واندماج لا مثيل له لتيارات مختلفة بدءًا من حضارة النوبة الكوشيين، والفراعنة السود، مرورا بالحقب المسيحية، ووصولا إلى مرحلة الهجرات العربية وانتشار المد الإسلامي، وسيادة الروح الصوفي في فضاءات عريضة من أرض السودان، وحتى ظهور مدرسة الغابة والصحراء التي واءمت بين الحس العربي والوجدان الإفريقي في أبجدية منتقاة ومتميزة.

   كل هذه العوامل وربما غيرها جعلت من صناعة الأدب في السودان صناعة ثقيلة ضمنيا إن صح التعبير، وجعلت من سوقها الترويجي محدودا جدا، لا لرداءتها ولكن بمقتضى الحال فإن هذه الفرادة والتميز تفرضان على معايشها نمطا معينا من السلوك الفعلي والعقلي والوجداني، وإن كان لا بد من التحدث بصراحة وشفافية فإني لا أعتقد أن الأديب السوداني يعاني من أي نوع من أنواع التهميش في أو من محيطه العربي كما يعتقد عدد كبير من النقاد والأدباء المحترفين منهم والهواة على حد سواء داخليا أو خارجيا، فالأدب الجيد يفرض نفسه على كل الفضاءات والملتقيات ولا يحتاج أن يصارع كثيرا حتى ينتصر، وهنالك أرقام كثيرة في محيطنا السوداني تشهد بذلك وتدلل عليه في مختلف الفروع الأدبية شعرا كانت أو نثرا.

   ولكني مع الرأي الذي يعزو هذا الأمر في كثير من الأحيان إلى الاختلاف في الأمزجة الثقافية والنكهات الجغرافية بين السودان وبين غيره من الأقطار العربية من جانب، وفي الشخصية السودانية نفسها وعقلية الفرد السوداني من جانب آخر، فهو يتميز على حد تقييمي الذاتي بسيكولوجية مفرطة في التواضع، ومغرقة في البعد عن مكامن إبراز القدرات بشكل متعمد ومحزن، وأرى أن الرأي النقدي القائل:"رب مغمور أشعر من مشهور"، متحقق عندنا في السودان بكل أبعاده، فلدينا أسماء مغمورة إعلاميا بشكل فعلي وهي تستحق أن تكون في مصاف النخب الأدبية العالمية وليس العربية فحسب.

   وهذا بدوره أدى إلى الرأي السائد بقوقعة الأديب السوداني على نفسه، والقوقعة من ضمن أبعاد الانطواء والانزواء الذي لا يحمد في كل الأحوال، لكن الواقع الآن مختلف تماما عن هذه الرؤية وبالأخص في عصر العولمة والحواسيب المتقدمة وشبكات المعلوماتية الرهيبة.

   كما إنني أرى أن آلتنا الإعلامية غير ناضجة بالشكل الكافي والمتمرحل الذي يسمح لها بنقل الصورة الحقيقية للأدب السوداني دون أي رتوش ودون أي تشويه.

   وعليه فإن واقع العزلة والقوقعة والتغيب المستمر عن المشهد الثقافي العربي هو واقع مفروض من قبل الأديب السوداني على نفسه بشكل أساسي، ولا دخل لتهميش المحيط فيه بأي صورة من الصور.


المجذوب: متفائلون بفجر جديد

   أما عبد القادر المكي المجذوب فيرى أن هذه القوقعة واقع مفروض على الأديب السوداني، فرضه ضعف الآلية الإعلامية في السودان، وعدم اهتمام المسؤولين بالثقافة، من حيث الاهتمام بدور النشر وغيرها من آليات نشر الأدب والشعر السوداني والتعريف به، ومع ذلك نحن نتفاءل أن الأعوام القادمة ستشهد بزوغ فجر جديد للأدب العربي من السودان.


 أبو بكر الجنيد: القوقعة خيار الأديب السوداني

   أما الشاعر أبو بكر الجنيد فيري أن القوقعة خيارٌ صار واقعاً، فللمثقف السوداني سمتان أسهمتا في وضعه_الراهن وهما:الكسل (اللامبالاة) والتواضع (تجنب الأضواء)، وهما سمتان كان أول ضحاياهما هو المثقف السوداني نفسه، خاصة وهو يطالع منتج الآخر (الواصل إعلاميا) ويرى هشاشة ما ينتجه مقارنةً بإنتاجه هو.

   فالقوقعة إذن خيار الأديب السوداني، من حيث اختياره الركون إلى ظل الثقافة والإبداع.

    أيضا علينا أن لا ننسى الإعلام ودورهُ الأساسي في إيصال رسالة المثقف عربياً وعالمياً ، فإعلامنا في السودان مصاب بحمى المنوعات الخفيفة وكأن ماعونهُ سيصاب بالتمزق لو حمل نتاجاً ثقافيا أكثر كثافة.

   والإعلام العربي يستعين بباحثين حرفيين سودانيين مصابين بنفس الحمى ولا يهتمون سوى بما يبرز على الساحة من زبد.


إبتهال محمد مصطفى: الصرف على الثقافة ما زال ضرباً من الرفاهية


الشاعرة إبتهال محمد مصطفى

    أما الشاعرة الشابة إبتهال محمد مصطفى فترى أن غياب المنابر الحقيقية لفترة من الزمان طفح فيها الغث والثمين وروج الإعلام لبعض الشخصيات، بينما حجب البعض الآخر لأسباب سياسية، فقسم الشعراء لموال يسود، وآخر منكفئ على ذاته ومعارض يحبس شعره وهذا أضر بالحركة الشعرية السودانية.

   أيضا تباعد المسافة بين الأجيال الشعرية السودانية، وغياب دور المؤسسة الثقافية عن هذا، أو تجاهلها عمدا لأن الصرف على الثقافة مازال ضربا من الرفاهية في بلد تحركه السياسة قبل الفكر والثقافة.

    ختاما نورد ما جاء على لسان الكاتب السوداني عبد الماجد عبد الرحمن في مقال له بعنوان: "هل يجهل العرب الثقافة السودانية…أم يتجاهلونها؟ " بتاريخ:16 – فبراير – 2010 والذي جاء فيه: أن أسباباً عدة وراء عزلة السودان أو اعتزاله الثقافي: ذاتية وموضوعية ويمكن التوقف عند طبيعة الشخصية السودانية الزاهدة في الإعلام والأضواء، وعدم اهتمام الدولة بالتعريف بالأدب والإنتاج الثقافي وتسويقه. علاوة على آن المثقفين السودانيين الحاضرين في الخارج لا يؤدون دورهم المطلوب وتأخذهم موجات "تسونامي" الإغتراب.

   ثم هناك انشغال السودان وغرقه في مشكلاته وصراعاته وحروبه الداخلية. ولدى كثير من المثقفين السودانيين شعور بالغبن جراء التجاهل والنسيان الناجين عن المؤسسة الثقافية العربية وعن أشقائهم المثقفين العرب.

   ويجب عدم إغفال الخلل البنيوي الذي تعانيه مؤسسة الثقافة العربية. 

   فمنذ بواكير النهضة العربية ظلت ثلاث أو أربع عواصم عربية تسيطر على المشهد الثقافي العربي انطلاقاً من كونها "المركز" وما تبقى "هوامش" وأطراف "لا قيمة حقيقية لما تنتجه هذه الأطراف فكرياً وثقافيا. 

   فماذا يعرف المثقف العربي بعامة عن الشعر والرواية والمسرح، والأنشطة الثقافية الأخرى في ليبيا واليمن والبحرين والإمارات والصومال وعمان وتونس وموريتانيا وسواها مما يسمونها الدول "الأطراف". وعلى رغم أن دول الخليج استطاعت في العقد الأخير أن تزاحم "المركز" بسبب إنشائها منابر ثقافية عدة إلا أنها لا تزال تعد "هامشا" من وجهة نظر "المركز" التقليدي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق