لفظ الجلالة "الله" ليس سوى معنى جامع لكل ما لا يستطيع العقل المتيقظ إدراكه، أو تقدر الحواس النابهة على الإحاطة به..
وهو لفظ لا يمثل سوى إقرار واع من قبل الجميع الواعي بحدود الإدراك البشري الموهوب بأن هناك شيئا في منتهى الغيب هو أكثر غموضا من الغيب في حد ذاته، وأنه لولا غموضه هذا لما كان للغيب معنى أو قيمة أو حيز في هذا الوجود..
ومن غرائب هذا الغيب أنه غيب لا يمكنه الإحاطة بكنهه أو الوصول إلى ماهية ذاته...
فإن "الله" تعالى بمعناه المبهم خارج عن أطر الغيب ناء عن زوايا الزمان ومبتعد عن حدود المكان، ولا وجود له في الأبعاد، أو استقرار له في الأحياز، وإنما عرفنا بنفسه لأنه رفيق شفيق بمن أوجد، ومحب متلطف بمن خلق، وقد شرفنا بمعرفة مقتضبة لباذخ شرفه، وأعزنا بالتطلع المتواضع إلى عنفوان عزه، وأعطانا ما يمكننا من خلاله أن نقبس المتاح والممكن من حقائق أنواره، لأنه عليم قدير بمقتضى الحب في ذواتنا المحبة لكماله وبسره الذي خلق واستودعه في قلوب المحبين وفي أرواح المريدين..
ومنذ ابتداع الوجود الأول، فإنه قد جعل الحياة الدنيا في تمرحل وتسلسل وتنقل وتحول وتبدل، حتى إن الموت في حقيقته المزعجة للكثيرين، لا يبتر الحياة بمعناها الكامل والشامل أو ينهيها، ولكنه ينقلها من فرعها المؤقت والفاني إلى أصلها الدائم والخالد..
وفي كل لفظة من الألفاظ تتحلى بالعمق وتتزيا بالشموخ وتتدثر بالتعالي، يكون للمولى عز وجل وجود فيها واستقرار، وهو على جبروته اللا متناه وقدرته اللا محدودة يتموضع في كل جارحة ناطقة بفضله، معترفة بكرمه، طالبة لرضائه وجانحة لمحبته..
و"هو" خلقنا وصممنا بصورة لا يمكن انتقادها من أي مخلوق كائنا من كان، لأنها صورة من خلقه، وصفة تجسد كمال قدرته على الخلق وهي صفة لا نقصان يعتريها، أو قصور ينتابها.
ولكوننا مجرد فكرة مكتملة من تصميمه المبدع النابع من أصل الحقيقة المبدعة فوق كل إبداع، فنحن غير قابلين إلا أن نكون كاملين في طلب معرفته والسعي إلى التعرف على كينونته، ومن هذا المنطلق فنحن غير قابلين للإنتقاد لأننا خلق يديه جل وعلا، و"هو" كنه غير قابل للإنتقاد بتاتا وذلك لأنه لا يعرف أو يدرك أو يحاط بأمره جملة وتفصيلا، وأيضا لأنه يستحق البحث عنه والنظر إليه بعين المحبة الكاملة ويستأهل ذلك وزيادة، فقد فضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا..
إن "الله" عز وجل موجود فعليا في كافة تفاصيلنا، مستقر معنا حيثما حط بنا المستقر وهو المستقر وإليه المصير، إنه الوجود الحقيقي في عوالم المطلق ومداءات اللا متناه الممتد بغير حد، إنه "الله" حيث لا يوجد له ابتداء أو يعرف له انتهاء، إنه "الله" حيث ينبع من ذاته جوهر الحقيقة، ويجري نهرها الطاهر والعذب في أرواح العارفين بأمره ويروي ظماء حواسهم ويبل غليلها المشرئب دوما لمعرفته، فهم بقدر ما عرفوه جهلوه، وبقدر ما جهلوه رغبوا في معرفته، وهم بين هذا الجهل وبين تلك المعرفة في شؤون وأحوال، وهم نور من أصل الظلام، وظلام من فرع النور، ويبقى "هو" النور اللذي لا ظلام يستطيع أن يتحداه أو يقهره، فهو قاهر كل ظلام وإن خلقه لأمر وحكمة دقت أو جلت..
إن "الله" عز وجل هو الرحمن الرحيم اللطيف، الذي بيده الأمر والتدبير والتصريف، وهو المعروف بلا تعريف ولا يدرك له في معارف الخلق تعريف، أو يحاط بسره المكنون إظهار وتوصيف..
#ترانيم_الحب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق