الاثنين، 30 يوليو 2018

"لين" أحرقت سين السرطان وراءه وطاءه - مجدي الحاج


قبل عام من الآن وقبيل إجازة عيد الأضحى المبارك، تم تشخيص إصابة طفلتي "لين" بمرض سرطان الدم "الليوكيميا"، كان يوما ثقيلا جدا ومؤلم الوقع على نفسي، اختبرت فيه مشاعرا لم أختبرها من قبل، كانت هذه المشاعر مزيجا معقدا من الألم والخوف والقلق والحزن والتوجس المريب، كانت مشاعرا فظة الحضور وسوداوية الإيحاء، وبالكاد كان يمكنني التغلب عليها حتى أحافظ على رباطة جأشي بالقدر المطلوب للمواجهة، كانت سيارتي متعطلة في ذلك اليوم مما اضطرني إلى استقلال الباص نحو "أبو ظبي" حيث تم تشخيص "لين" بادئ ذي بدء في المستشفى الأهلي بمنطقة مصفح على يد طبيبة سودانية متخصصة في أمراض الجهاز العصبي لدى الأطفال، تمت مقابلة هذه الطبيبة المتميزة بمساعدة خالة "لين" الدكتورة "سناء" وبتوجيه منها حيث أنها تعمل في نفس المستشفى، ومن بعد ذلك فقد كانت الإختصاصية السودانية حريصة كل الحرص على تحويلها لقسم عناية الأطفال المركزة في مدينة الشيخ خليفة الطبية التي تعتبر مرجعا لهكذا أمراض داخل دولة الإمارات العربية المتحدة بل وخارجها إقليميا وعالميا.
كانت خطورة الأمر تتمثل في تطوير "لين" لمضاعفات قاتلة جراء انتشار الخلايا السرطانية المقيت في جسدها الصغير، حيث تكون ارتشاح كبير للسوائل الرئوية أظهرته صورة الأشعة السينية لصدرها المكلوم، والذي أثر على قدرتها التنفسية فعليا، مما اضطر الفريق المعالج حينها للبدء في عملية تنفس اصطناعي لها، كما أنها أصيبت بشلل في العصب القحفي السابع وهو الوجهي بصورة مزعجة جراء تورم وجهها بفعل الخلايا السرطانية.
كنت حينها في حالة يرثى لها تماما كما يقال عندنا في المثل السوداني العامي: "حاله تحنن العدو قبل الصديق"، الدموع لم تكف عن الجريان والإنهمار من مقلتي حتى لا أكاد أبين الطريق أمامي، وإرهاصات القلق لم تتوقف عن إزعاجي بشتى أنواع الرؤى والإحتمالات البغيضة، كان عقلي يمعن جيئة وذهابا في معية أفكار مظلمة وتوقعات موحشة، وكنت لا أكف عن الإتصال بأم "لين" في فترات زمنية متقاربة للإطمئنان على آخر المستجدات، ولكي أنال قدرا من الهدوء بسبب ذلك، فهي أكثر من يشاركني وقع هذه المصيبة.
كانت أم "لين" سيدة قوية ولها قدرة عالية على ضبط مشاعرها وأعصابها عند الملمات والمواقف الحرجة كما عهدتها وخبرتها منذ أمد، ولطالما استفدت منها كثيرا في هذا الجانب، إلا أن التأثر والشجى كانا شديدي الوضوح في نبرة صوتها هذه المرة، لكن كبرياءها اليقيني لم يكن ليسمح لها أبدا بإظهار الضعف أو الإستسلام خصوصا أمامي، وهذا في الغالب لأنها تعرف أنني أستمد القوة منها بقدر كبير، لذلك فقد كانت حريصة على إظهار تماسكها وتصبرها أمامي وأنا أحادثها في الهاتف، كان الطريق طويلا جدا ومتعبا من الناحية الجسدية، أضف إلى ذلك فإن لواعج الأحزان لا تنفك اشتعالا بين جوانجي بصورة متواصلة، وهي تشكل بذلك عبئا نفسيا قاهرا على أعصابي المتوترة جراء الصدمة العظيمة التي ابتلينا بها جميعا ولله الحمد.
وقد كنت كطبيب أعرف تماما مآل مرض طفلتي "لين" وتناذره المبشر في مثل حالتها، إلا أنه قد تعاورتني تخيلات صادرة من نبع الفواجع والنوائب المهلك، وقد كان الشيطان يمد أنبوب الوساوس مرة تلو الأخرى ويصله بقلبي ومشاعري وعقلي لعلني أصاب بالحزن القاتل والغير محتمل فيتزعزع يقيني بالمولى عز وجل وبحكمته في الإختبار والإبتلاءات ولكن هيهات.
مر عام كامل تقريبا و"لين" ما تزال تقاوم وتناضل في معركتها الشرسة ضد سرطان الدم أو "الليوكيميا"، خلال هذا العام أحرقت "لين" سين السرطان وراءه وطاءه، ولم يتبق لها سوى القليل بإذن الله تعالى حتى تحرق ألفه ونونه وتذروا رماد حروفه البغيض في هواء النسيان وإلى الأبد.
#لين_تقاوم_الليوكيميا

معروف بلا تعريف - مجدي الحاج

لفظ الجلالة "الله" ليس سوى معنى جامع لكل ما لا يستطيع العقل المتيقظ إدراكه، أو تقدر الحواس النابهة على الإحاطة به..
وهو لفظ لا يمثل سوى إقرار واع من قبل الجميع الواعي بحدود الإدراك البشري الموهوب بأن هناك شيئا في منتهى الغيب هو أكثر غموضا من الغيب في حد ذاته، وأنه لولا غموضه هذا لما كان للغيب معنى أو قيمة أو حيز في هذا الوجود..

ومن غرائب هذا الغيب أنه غيب لا يمكنه الإحاطة بكنهه أو الوصول إلى ماهية ذاته...

فإن "الله" تعالى بمعناه المبهم خارج عن أطر الغيب ناء عن زوايا الزمان ومبتعد عن حدود المكان، ولا وجود له في الأبعاد، أو استقرار له في الأحياز، وإنما عرفنا بنفسه لأنه رفيق شفيق بمن أوجد، ومحب متلطف بمن خلق، وقد شرفنا بمعرفة مقتضبة لباذخ شرفه، وأعزنا بالتطلع المتواضع إلى عنفوان عزه، وأعطانا ما يمكننا من خلاله أن نقبس المتاح والممكن من حقائق أنواره، لأنه عليم قدير بمقتضى الحب في ذواتنا المحبة لكماله وبسره الذي خلق واستودعه في قلوب المحبين وفي أرواح المريدين..

ومنذ ابتداع الوجود الأول، فإنه قد جعل الحياة الدنيا في تمرحل وتسلسل وتنقل وتحول وتبدل، حتى إن الموت في حقيقته المزعجة للكثيرين، لا يبتر الحياة بمعناها الكامل والشامل أو ينهيها، ولكنه ينقلها من فرعها المؤقت والفاني إلى أصلها الدائم والخالد..

وفي كل لفظة من الألفاظ تتحلى بالعمق وتتزيا بالشموخ وتتدثر بالتعالي، يكون للمولى عز وجل وجود فيها واستقرار، وهو على جبروته اللا متناه وقدرته اللا محدودة يتموضع في كل جارحة ناطقة بفضله، معترفة بكرمه، طالبة لرضائه وجانحة لمحبته..

و"هو" خلقنا وصممنا بصورة لا يمكن انتقادها من أي مخلوق كائنا من كان، لأنها صورة من خلقه، وصفة تجسد كمال قدرته على الخلق وهي صفة لا نقصان يعتريها، أو قصور ينتابها.

ولكوننا مجرد فكرة مكتملة من تصميمه المبدع النابع من أصل الحقيقة المبدعة فوق كل إبداع، فنحن غير قابلين إلا أن نكون كاملين في طلب معرفته والسعي إلى التعرف على كينونته، ومن هذا المنطلق فنحن غير قابلين للإنتقاد لأننا خلق يديه جل وعلا، و"هو" كنه غير قابل للإنتقاد بتاتا وذلك لأنه لا يعرف أو يدرك أو يحاط بأمره جملة وتفصيلا، وأيضا لأنه يستحق البحث عنه والنظر إليه بعين المحبة الكاملة ويستأهل ذلك وزيادة، فقد فضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا..

إن "الله" عز وجل موجود فعليا في كافة تفاصيلنا، مستقر معنا حيثما حط بنا المستقر وهو المستقر وإليه المصير، إنه الوجود الحقيقي في عوالم المطلق ومداءات اللا متناه الممتد بغير حد، إنه "الله" حيث لا يوجد له ابتداء أو يعرف له انتهاء، إنه "الله" حيث ينبع من ذاته جوهر الحقيقة، ويجري نهرها الطاهر والعذب في أرواح العارفين بأمره ويروي ظماء حواسهم ويبل غليلها المشرئب دوما لمعرفته، فهم بقدر ما عرفوه جهلوه، وبقدر ما جهلوه رغبوا في معرفته، وهم بين هذا الجهل وبين تلك المعرفة في شؤون وأحوال، وهم نور من أصل الظلام، وظلام من فرع النور، ويبقى "هو" النور اللذي لا ظلام يستطيع أن يتحداه أو يقهره، فهو قاهر كل ظلام وإن خلقه لأمر وحكمة دقت أو جلت..

إن "الله" عز وجل هو الرحمن الرحيم اللطيف، الذي بيده الأمر والتدبير والتصريف، وهو المعروف بلا تعريف ولا يدرك له في معارف الخلق تعريف، أو يحاط بسره المكنون إظهار وتوصيف..

#ترانيم_الحب

الاثنين، 16 يوليو 2018

هل يمرض الفرح؟! - مجدي الحاج

يا أيها الآسي:
ترى هل يمرض الفرح؟!
وهل يمرض الحب والأشواق تنجرح؟! 
قل للبراءة وهي الآن متعبة: 
إن الجراح قريبا 
سوف تنطرح
العيد أقبل والأحلام ما قدمت 
والحزن جاء 
وجاء الدمع والترح 
أهواك يا "لين" 
يا شمسا بنا شرقت 
بعد الهطول 
فأضحى قوسها قزح 
أهواك 
يا طفلة الأحلام فابتسمي
إن البشاشة من لقياك 
تنشرح 
أهواك يا أس البراءات 
التي اشتعلت 
في هذه الدنيا 
فكان الطيب والمرح
شعر: د. مجدي الحاج

#لين_تحارب_الليوكيميا - مجدي الحاج

كأنما الوقت في سباق مع نفسه، واللحظة تلو اللحظة تطالب وحش الألم الكاسر بأن يكف عن نهش أعضاء جسدها النحيل بأنيابه ومخالبه البغيضة، ولكن هيهات.

سرير المستشفى أصابه الضجر من طول مكوثها فوقه، وطعم الدواء يكاد يخبر بامتعاضه من كثرة ما تذوقته بفمها المريض.

أما الإبر فلطالما اشتكت من قسوة الوخز واعتذرت في نفس الوقت لعروقها المتعذبة.

"الكيماوي" ما يزال قادرا على ارتكاب مجازره ضد خلاياها الدموية كل مرة ببرود قاتل.

حتى نظرتها الحالمة كادت أن تستسلم للظلام الحالك، لولا بقية من نور الأمل تتسلل في هدوء نحو بؤبها الوسنان.

"لين" ما تزال صامدة رغم كل شيء، وفي يدها معول من يقين ورجاء، مهمة هذا المعول هي هدم أصنام "الليوكيميا" الجاثمة في محراب عمرها الطاهر منذ قرابة العام.

"لين" ستنتصر بعون المولى عز وجل، وسنفرح جميعا حينها بنصر "الله" وفتحه القريب.

قال الدكتور "ناصر" مخاطبا أم "لين" في إحدى المقابلات الدورية:
"إن طريق العلاج ما يزال طويلا جدا، لكني أنظر لراية الشفاء ترفرف من بعيد في الأفق".

اللهم لك الحمد من قبل ومن بعد، وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، اللهم رب الناس أذهب الباس لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما يا أرحم الراحمين.

#لين_تحارب_الليوكيميا