الأربعاء، 1 مارس 2017

خاطرة من وحي عيد زواجي الرابع - مجدي الحاج

زوجتي الحبيبة:
لقد منحتني الكثير الذي لا يحصى ولا يعد...
لقد منحتني الراحة التي يحتاجها أي منهك من تكاليف الحياة بوجودك معي وبصبرك الجميل على زلاتي وعيوبي وأنانيتي التي لا تطاق في كثير من الأحيان...
لقد منحتني الدفء الذي يتوق له أي رجل مع أنثاه ومع معشوقته...
لقد منحتني الحب الذي يتمناه أي عاشق يحترق شوقا إلى محبوبته...
لقد منحتني الثقة التي أحتاجها كزاد لي في معترك الحياة وفي تصاريف الأيام...
لقد منحتني ربيع العمر الأخضر وعنفوان تجدده المثمر ورونق بهائه المزهر...
لقد منحتني عيونا جميلة أسر وأبتهج كلما نظرت إليها وأفرح كلما غازلتها وأكاد أطير من السعادة كلما وجدت اسمي مكتوبا في بريقها الأخاذ الذي يكاد ينزع اللب من اللبيب والعقل من العاقل...
ولقد منحتني أيضا ابتسامة شفافة تذهب الهم عن المهموم والحزن عن المحزون وترتب الأفكار الثائرة وتجعلها في خير حال...
ولقد منحتني المزيد الذي أشعر به ولا أستطيع أن أحيط بها علما أو أدركه فهما أو أعبر عنه نظما...
ألم أقل لك إنك قد منحتني الكثير الذي لا يحصى ولا يعد؟!...
****
زوجتي الحبيبة:
لقد عرفت من خلالك أمورا كثيرة وتعلمت أمورا أكثر...
فقد عرفت من خلالك كيف يمكن أن تتفجر ينابيع الخصوبة والنماء حينما رزقني الله بطفل وطفلة هما زينة الحياة الدنيا بالنسبة لي فعرفت معنى جديدا للحياة هو معنى الأبوة وإحساسا بالمسؤولية لم أختبره من قبل...
ولقد عرفت من خلالك كيف يمكن أن تكون المودة والرحمة والسكن والرباط المقدس الذي لا يمكن أن يقطع بسهولة أو ينفرط بيسر عنوانا للحياة السعيدة...
ولقد عرفت من خلالك كيف يمكن أن تصبح المرأة سترا على الرجل وغطاء يقيه من زمهرير الأيام ومن برد الظروف...
ولقد عرفت من خلالك كيف يمكن أن تكون المتعة الحلال التي يثيبنا الله عز وجل عليها ويعطينا الأجر الجزيل والثواب الجميل فبك وحدك قد اكتمل من ديني النصف كما يقال...
ولقد عرفت من خلالك كيف يمكن أن يأتي النصح من شخص يهتم لأمرك بصدق ويريد لك الخير والتقدم والرقي...
ولقد عرفت من خلالك كيف يمكن أن تكون المرأة دافعا لا يقدر بثمن للرجل ومحفزا لا يجارى له فأنت دائمة النصح والتوجيه والإرشاد...
ولقد عرفت من خلالك كيف يمكن أن تكون الزوجة عينا ثالثة لزوجها ومرآة تعكس محاسنه ومعايبه على حد سواء وتعطيه الإحساس بأهميته وأهمية رسالته في الحياة...
ولا زلت أعرف في كل يوم أمرا جديدا من خلالك وأستشعر فيه عظمة النساء متجسدة في شخص امرأة واحدة هي أنت...
ألم أقل لك إني قد عرفت الكثير من خلالك؟!...
****
زوجتي الحبيبة:
لقد تعلمت من خلالك أمورا كثيرة كان من المستحيل أن أتعلمها وأنت خارج برزخي الحياتي...
فقد تعلمت كيف يمكن أن تصنع السعادة في مصنع الحياة الزوجية وكيف يمكن أن تبتكر موادها الخام في عشها الصغير...
وقد تعلمت أيضا أن الصبر على الخلافات والتعامل معها بحكمة هو ملح الحياة الذي يعطيها طعما مختلفا وهي بدونه فاقدة للطعم وللأهلية أيضا...
وقد تعلمت أهمية المشاركة والتعاون والعطاء المستمر دون انتظار الأخذ في بناء شراكة حقيقية تحتاجها الأسرة ويحتاجها المجتمع والوطن وكذلك تحتاجها الأمة وهي شراكة الأزواج المثالية المنشودة حتى وإن لم تكن كما نريد لها أن تكون فهي مطلوبة وبشدة...
وقد تعلمت من خلالك أن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه وأنه لا ينزع من شيء إلا شانه كما أخبر بذلك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد تعلمت أيضا أن الزوجة الصالحة هي خير متاع الدنيا وأنها طريق معبد يوصل إلى الجنة بإذن الله تعالى تذكر زوجها بما نسي من الفروض وتعينه على ما قصر فيه من الواجبات وتحذره عاقبة تنكب الطريق والإبتعاد عن جادة الحق والصواب...
وقد تعلمت أن الحب الحقيقي لا يكون بالكلمات أو بتنميق الجمل والعبارات فالحب الحقيقي أسمى من ذلك بكثير وهو إلى الأفعال أقرب وإلى الإنجازات أدنى فرب فعل أصدق من قول وأبلغ من كلام...
وقد تعلمت أن العمر يمضي ولا حسرة فيه ولا خسارة أكبر من أن يعيش الرجل بلا زوجة حانية أو شريكة غيورة ومهتمة فذاك هو الخسران المبين في دنيا الوجود...
وقد تعلمت أكثر من ذلك ولا زلت أتعلم كل يوم وأنا سعيد جدا بما تعلمته وبما أتعلمه منك ومعك وبسببك فالزوجة الصالحة مدرسة وأنت نعم المدرسة...
ألم أقل لك إني قد تعلمت الكثير من خلالك؟!...
****
زوجتي الحبيبة:
كل عام وأنت زوجتي وحبيبتي وأما لأبنائي وشريكتي في الحياة ومعينتي عليها وزينة في داري ومليكة على قلبي وعلى بيتي وعنوانا لسعادتي ولزهوي ولاعتزازي...
ولا أظن أن الحروف والكلمات والتعابير يمكنها أن تحيط بكل ما يعتمل بداخلي تجاهك من عواطف جياشة ومشاعر نبيلة ولكني أحاول فقط...
وفي الأخير أحبك وكفى...
زوجك المحب:
أبو محمد...
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

التصميم أمانة والمصممون مؤتمنون عليها - مجدي الحاج

البداية كانت في ذات فراغ عندما ذهبت مساءا إلى استديو التصوير الفوتوغرافي القريب من منطقة سكني وأنا بكامل هندامي كرجل سوداني، حيث كنت أرتدي زي عامة السودانيين الوطني المتمثل في الجلباب "الجلابيه" والعمامة "العمه" والوشاح "الشال" الطويل والمنمنم بشكل يدوي، وقد تعمدت نعت الزي بلفظة "الوطني" بدل "القومي" لأن البعض من السودانيين يرى في مصطلح "قومي" إلغاء لقوميات السودان المختلفة والمتعددة ومجموعاته العرقية التي لا تتداخل مع الجنس العربي وثقافته إلا قليلا، على الرغم من كون هذا الزي يعتبر زيا إسلاميا في المقام الأول ولا يعبر عن القومية العربية على وجه التحديد في بلد كالسودان، ومعلوم أن غالبية أهل السودان هم من المسلمين السنة، وهذا موضوع طويل ومتشعب وذو شجون شتى قد لا يسع المجال لذكرها هنا.
كان المصور الهندي صديقا لطيفا تربطني به علاقة جيدة، فقام باقتراح زوايا معينة لالتقاط الصور خاصتي في فسحة مقدرة من الوقت، ورغم أن هذا الأمر يعتبر من صميم عمله فإنني أشعر بالإمتنان الكبير له وأحس أنه قد أولاني معاملة خاصة ومميزة، فشكرا له من القلب رغم أنه قد أخذ أجره المرتفع نسبيا بشكل كامل.
وكقاعدة عامة فإن التصوير الفوتوغرافي يعتبر فنا أكثر من كونه مهنة، وعليه ووفقا لتقديري الذاتي فقد برزت مهارة صديقي المصور الفنية العالية قبل مهنيته عند استلامي لبطاقات الصور خاصتي بعد تحميضها وطباعتها، ولا أخفيكم أمرا فإنني قد ذهلت وأعجبت بها كثيرا.
وكان من فرط سعادتي قيامي بنشرها في صفحتي الشخصية في الفيسبوك لأنال حظا من إعجابات الأصدقاء وتعليقاتهم الجميلة وقد كان، ثم قمت بنشرها أيضا في مدونتي الشخصية في محرك البحث جوجل مع موضوع ذي صلة، وبعد مرور فترة ليست بالطويلة صارت تصلني رسائل من مجموعة من الأصدقاء تحتوي على صور يافطات إعلانية لمحلات خياطة رجالية وبوتيكات لبيع الملابس الرجالية في مدينتي الخرطوم وأمدرمان تحتوي على بعض من تلك الصور التي حدثتكم عنها أعلاه، وبعضهم كان يسألني إن كنت أنا هو نفس الشخص في هذه اليافطات أم أنه مجرد شبيه؟!.
وعلى ما يبدو فإن بعضا من مصممي اللوحات الإعلانية قد أدار محرك البحث جوجل في بحثه عن صورة رجل سوداني يرتدي الزي الوطني حتى يستخدمها في تصميم يافطته الإعلانية، فإذا بصوري تروق له ويفعل.
أحد الأصدقاء طالبني برفع قضية على هؤلاء المصممين أو أصحاب المحلات المصمم لهم أسوة بالرجل السوداني البدوي على ظهر بعيره والذي استخدمت صورته شركة "موبيتل" للإتصالات اللاسلكية قبل فترة في إعلان لها دون علمه، فقيض الله له محاميا من الأفذاذ، تابع القضية وجعلها قضية رأي عام تحدثت عنها الصحف بكثافة، وخرج بتعويض مادي كبير جدا لم يحلم به هذا البدوي أبدا، وقد أحسن القضاء السوداني حينها في الإنتصاف لهذا الرجل، وأتمنى أن يكون هذا ديدنه في كل القضايا المعلقة خصوصا قضايا الملكية الفكرية والتي من ضمنها استعمال صور الغير الشخصية دون علمهم أو معرفتهم في أغراض إعلانية، وهو ما يخالف القانون قلبا وقالبا.
جعلني صديقي هذا أضحك وربما سيقرأ سطوري هذه فأخبرته أن العشوائية والعفوية هي من سماتنا كسودانيين، وغالبيتنا لا ينظر للأمور بنفس منظاره الثاقب والدقيق، فقال لي: لا تستهون بالموضوع وأنه يعرف محاميا "شاطرا" على حد قوله له باع في قضايا كهذه، وأنه سيتابع القضية بشكل شخصي بعد إعطائه الضوء الأخضر.
وقبل يومين بالضبط وصلتني رسالة من صديقة أعزها قالت لي بالحرف الواحد: "ما شاء الله بقيت تتاجر في صورك"، وقد كانت تعني أني أعمل كموديل إعلاني يتقاضى أجرا جراء تصويري بالصورة التي يريدها المعلن، وحقيقة فقد أغضبني كلامها هذا رغم تبريرها له بالمزاح، فقناعاتي عموما ولهذه اللحظة لا تجيز لي هذا الأمر مع احترامي الكبير لمن يمتهن هذه المهنة، وذلك بغض النظر عن وضعي ومنزلتي وطبيعتي الحياتية. 
وفي الأخير أحب فقط أن أذكر المصممين عموما وبالأخص جيل الشباب بضرورة توخي الحذر في تصميماتهم وابتكاراتهم الإبداعية، وضرورة اتباع الإجراءات المطلوبة التي تحميهم من المساءلة القانونية وتحترم خصوصية الناس فالتصميم أمانة والمصممون مؤتمنون عليها، وكذلك ينبغي على عملاء المصممين الإهتمام بهذا الأمر فهم أيضا قد تنالهم مساءلة قانونية من محاكم الملكية الفكرية حال تصعيد المعنيين لقضية انتهاك خصوصياتهم.

ظلي الذي دخل القش - مجدي الحاج

ذكرتني صورة ظلي هذه والتي التقطتها قبل قليل بكاميرا الهاتف الجوال "بغلوطية الحبوبات" القديمة عندنا في السودان؛ والتي تقول: "دخل القش وما قال كش؟!"؛ و"الغلوطيه" لأصدقائي من غير السودانيين هي لغز يقال للأطفال لتشجيعهم على استعمال ملكاتهم العقلية، وقد سميت كذلك لأن الطفل يغلط أو يخطىء كثيرا في محاولاته للبحث عن الإجابة الصحيحة لللغز؛ و"الحبوبات" جمع لكلمة "حبوبه" بلهجتنا في السودان بفتح الحاء وتشديد الباء التي بعدها، وهي لفظة استلطافية من الحب وتعني الجدة الحنون والمحبة؛ أما فحوى "الغلوطيه" فهي تسأل عن الشيء الذي يدخل إلى كومة القش دون أن يجعلها تصدر صوتا مشابها لحركة القش بموسيقى قريبة من كلمة "كش" بفتح الكاف؛ وإجابتها هي الظل كما وضحت هذه الصورة.
تحياتي.

خاطرة صباحية - مجدي الحاج

الصباح قصيدة الحياة التي تنشدها كل يوم...
الصباح قصيدة قافيتها النور وفحواها التفاؤل ومتلقوها هم أهل القلوب الحية...
الصباح عالم جميل من المعطيات التي لا تكترث بظلمة الأمس ولا تعبأ بليل المستقبل الحالك ولكنها تعتني بجمالها الآني اللا متناه...
الصباح دفقة الحب في قلوب المحبين وشعلة الأمل في عيون المتفائلين وهمسة الجمال في آذان عشاق الحياة...
صبحكم الله تعالى بكل خير أيها الأصدقاء...

بعد ثلاثة عقود من عمري - مجدي الحاج

كان عمري عند التقاط الصورة اليسار هو ثلاثة (3) أشهر فقط كما أخبرتني بذلك والدتي الحبيبة حفظها الله تعالى؛ وقد ذكرت لي أيضا أنها قد قامت بالتقاطها لي كتذكار لطفولتي في ستديو النيل بمدينة شندي في زمان عز فيه التصوير بشكل عام وخصوصا الملون؛ فكان جل الصور التذكارية يطبع بعد تحميضه بالأبيض والأسود، وكانت سنة التقاط الصورة هي 1979م.
أما الصورة الثانية فقد تم التقاطها لي بواسطة مصور صحفي في مدينة الشارقة عام 2009م، مما يعني أن الفارق بين زمن التقاط الصورتين هو ثلاثون (30) عاما تقريبا.
وكما أثار الرقم ثلاثة (3 ) في الفارق الزمني النسبي بين فترة التقاط الصورتين حفيظة في داخلي، فإن التقاء مدينتي شندي السودانية والشارقة الإماراتية في حرف الشين الذي يبدآن به؛ قد عزز أمر هذه الحفيظة أكثر.
ومما لا تعرفونه عني أن لي اعتقادا في بعض الأمور التي تبدو وكأنها مجرد صدف محضة؛ لكنها تعني لأمثالي أمورا أخرى. 
وبطبيعة الحال فقد عشت في هذه الفترة بين زمن التقاط الصورتين الكثير من الأحداث والوقائع التي ساهمت في تكوين شخصيتي وصناعة مميزاتها وتفاصيلها؛ ولا زلت أعيش إلى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذه الكلمات، لكنني لا أدري إن كان بإمكاني التقاط صورة لنفسي وأنا في عمر الستين مثلا حتى أقارنها بهاتين الصورتين؟!.
اللهم طيب أعمارنا وأعمالنا فيها واقبضنا إليك وأنت راض عنا.
آمين يا رب العالمين.

هكذا تحدث: "دكتور الصديق"! - مجدي الحاج

الصورة لشخصي مع الدكتور صديق عمر الصديق
دكتور الصديق عمر الصديق هو مدير معهد العلامة السوداني البروفسير عبد الله الطيب للغة العربية بجامعة الخرطوم، وأستاذ الأدب العربي والنقد واللغة العربية بكلية الآداب فيها، وهو عضو مجمع اللغة العربية في السودان (أصغر عضو)، وهو مدير بيت الشعر السوداني الذي يرعاه حاكم إمارة الشارقة الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، كما أنه أيضا عضو لجنة التحكيم ببرنامج "سحر القوافي" على شاشة التلفزيون القومي السوداني قبل توقفه حاليا، وهو شاعر وناقد لوذعي، ولكنه قبل كل ذلك رجل سوداني أصيل معتق بالبساطة والأناقة الداخلية النادرة، كيف لا وهو قد نبت كنخلة شماء في ضفاف النيل الخالد بجزيرة "توتي" الخرطومية.
التقيته مجددا على هامش مهرجان الشارقة للشعر العربي 2017م بفندق الهوليدي إنترناشيونال بكورنيش الشارقة حيث مقر إقامته، فاستقبلني بكل حفاوة وتواضع وهو يتزين بابتسامة مضيافة وودودة، ثم دعاني لاحتساء كوب من الشاي معه، وتجاذبنا أطراف الحديث حول الواقع الشعري الحالي في السودان، وأنشطة المؤسسات المعنية باللغة العربية وفنونها فيه، فكان أن حظيت بمجموعة من المعلومات الثرة والقيمة اختزنت أغلبها في ذاكرتي ولعلني سألخصها في مقام آخر بإذن الله تعالى.
وفي هذه السانحة قمت بتلخيص مجموعة من أقوال هذا الرجل الفذ تحت عنوان: هكذا تحدث: "دكتور الصديق"!، لعلها تبرز شيئا من عظمة شخصيته وتفوقها العلمي والإنساني، جمعتها من مصادر متفرقة من خلال الشبكة العنكبوتية للمعلومات كالحوارات الصحفية واللقاءات المتلفزة والمحاضرات الملقاة، وهي كالآتي:
1- لا أظنني وصلت إلى درجة يبلغ بها المرء غاية المعرفة، وأرى نفسي أنني ما زلت طالبا فكلما بلغ الإنسان شأوا بعيدا في العلم كما يراه الناس، يرى نفسه هو أنه ما يزال ينقصه الكثير.
2- والدي وجدي كانا من العلماء الذين تشد إليهم الرحال، هذه البيئة وفرت لي فرصة الحصول على العلوم والمعرفة بمساحات واسعة وفضاءات مشرقة، حتى وصلنا إلى جامعة الخرطوم وتتلمذنا على علمائها الأفذاذ.
3- تعريف الثقافة أمرٌ مربكٌ جدا لأنه لا نستطيع أن نحصر معنى الثقافة حسب حدود اللغة، فمعنى ثقافة في اللغة الإنجليزية (CULURE) يختلف عن المعنى اللغوي في العربية، فمعنى ثقافة في اللغة العربية يأتي بمعنى التقويم، وهو مأخوذ من كلمة ثِقاف والثِقاف آلة تُقوَّم بها الرماح وعلى هذا المعنى نقول: إن المثقف هو الذي يحمل المعارف الضرورية بمسؤولية كالمعارف المحلية والبيئية والكونية وهنا تتبدى بوضوح ظلال المعنى العربي للثقافة.
4- جدل العلاقة بين المثقف والسلطة جدل قديم، فابن خلدون كان أكبر مثقفي عصره وكان لا يرى ضيرا في تواثق المثقف مع السلطة والتعامل معها والعمل في إطارها، بينما الخليل نأى بنفسه حتى في مجرد التعامل مع السلطة وذلك في قصته عندما دعاه سليمان ليقوم بتعليم ابنه علوم اللغة والشعر، حيث قال: 
بلِّغ سليمان أني عنك في ثقةٍ 
وفي غِنًى غير أني غير ذا مالِ 
بينما هنالك من بهم ضعف فرضوا أن يسخَروا معارفهم للسلطة إما طلبا للمال أو الجاه، ومنهم مَن سعى سعيا حثيثا للحصول على السلطة نفسها كأبي الطيب المتنبئ حيث كان يتودد للملوك بشعره لكنه يجاهر بطموحاته للحصول على السلطة حيث يقول: 
وفؤادي من الملوك وإن كـــ
ــان لساني يُرى من الشعراءِ 
فالثقافة هي اشتغال بالفكر، والسياسة اشتغالٌ باليوميات والشعارات فهي متبدلة، ومن هنا يأتي الإلتباس فلا قانون محدد يحكم المسألة وإنما هي مسائل تقديرية.
5- الفن لا يُنظر للإجابات التي يقدمها وإنما يُنظر أثر الفكر الذي يتركه.
6- أبو الطيب عندي هو الفائز بين الشعراء بالضالة التي طلبوها ولم يجدوها، لأنه قد أوتي من الموهبة أولا في الغوص الإنساني العميق في جوف التجربة الإنسانية بتأملٍ مدهش، وثانيا بدفقٍ عاطفيٍ حيويٍ يرد إلى الشعر كثيرا من الحيوية التي فقدها والحرارة التي ذهبت مع برودة العواطف التي أفضت إلى برودة القول، وهو من هذه الجهة شخصية خاصة تطلب مدح الأمراء والكبراء ولكنها تتغنى في مجالسهم بأحلامها الخاصة، وهو صاحب نفس طموحٍ تثب إلى المعالي وثبا، ثم إن الحقيقة المهمة عنده هي قدرته على صياغة كل هذا الذي ذكرنا في قولٍ جامعٍ مانعٍ، ولعله هو نفسه كان يعلم هذا بآية ما قال لسيف الدولة:
وعندي لك الشُرَّدُ السائراتُ 
لا تحصيهنَّ في الأرض دارا
قوافٍ إذا سرنا عن مِقوَلٍ
وثبنا الجبال وخُضنَ البحارا
وبآية ما قال مادحا شعره:
ما نال أهل الجاهلية كلهم شعري 
ولا سمعت بسحري بابلُ
وقد تنبَّه أستاذنا عبدالله الطيب إلى أن الناس انشغلوا بشخص المتنبئ عن أدبه، فأديبٌ مثل طه حسين يقول عن أبي الطيب: أكره شخصه، وأحب فنه، ولأن طه حسين قد ذهب مذهبا بعيدا في حب أبي العلاء المعري، فإن أبا العلاء نفسه كان يعد أبا الطيب أستاذا له، وقد شرح شعره في كتابين الأول معجز أحمد، ومن الإسم يعني أحمد بن الحسين فهو يعد شعره معجزا، والثاني اللامع العزيز وقد شرح فيه بعض قصائد ديوان المتنبئ اختيارًا، وهذا دليل على انبهاره بأبي الطيب.
7- الشعر السوداني له تميز وخصوصية في سياق الشعر العربي كلهِ، وقد تحدث كثير من النقاد عن هذا التميُّز، فمثلا الأُستاذ الفلسطيني الكبير إحسان عباس وهو قد طاف البلدان العربية ذهب إلى أن الجزالة شيء يميز الشعر السوداني، وتنبه بعض النقاد إلى سطوع الصورة الشعرية في الشعر السوداني، وأذكر أن أستاذي الدكتور تاج السر الحسن -عليه رحمة الله- حدثني مرةً أنَّ أقرانهم من الشعراء العرب كانوا معجبين بسطوع الصورة الشعرية عندهم، وكان يعني نفسه والجيلي عبد الرحمن ومحيي الدين فارس، وقال: كانوا يناقشون ذلك في حضرتنا ثم يقولون إن شمس السودان الساطعة ربما كانت سببا في هذا السطوع الشعري. 
وحينما ننظر إلى شعر الفيتوري ألا ترى معي في دواوينه عاشق من أفريقيا واذكريني يا أفريقيا وغيرها شيئا ذا طابع خاص وغريب بالنسبة للشعر العربي فولى زمانه؟ عنفوانٌ وغضبٌ وثورةٌ تستمد نضالها من الشعور بالسواد، سواد اللون كما عبَّر عنه الفيتوري، ثم أن الفيتوري نفسه تفوَّق على كثير من الشعراء حينما استراح في ظل دوحة التجربة الصوفية، إذ كانت قصيدته في هذا الباب شيئا من الغنائية وشيئا من الفكر في صور ومضات وإلماعا من الحكمة الموجزة المصوغة صياغة محكمة فيقول مثلا:
دنيا لا يملكها من يملكها
أغنى أهليها سادتها الفقراء
العاقل من يأخذ منها ما تعطيه على استحياءْ
والغافل من ظنَّ الأشياء هي الأشياءْ
8- عندي في حياتي أماكن أثيرة هي كموحَى التجاني يوسف بشير أستطيع أن أستجمع فيها قواي، وأن أفكر فيها بعمق، وأحيانا ألوذ بمصاقبة الحياة المختلفة عند من سميناهم «البسطاء» غير أنهم تنطوي نفوسهم على فهم عميق للحياة والوجود فأجد عندهم المتعة والتجدد.
9- في ظني أنه ليس هناك كتاب في الأدب يجمع بين الفائدة والإمتاع أفضل من «المرشد الى فهم أشعار العرب»، للعلامة عبد الله الطيب.
10- لئن رسم الخيال (الجمعي) في بلادنا لعبد الله الطيب صورة أعرابي في شملته، فقد كان يتحدث العامية الجزلة بلا تكلف، وقد آنست فيه إشفاقا على تهجين العامية أوضار المدنية الحديثة، فيتحدث عن أن أهل المدن مالوا إلى الحذلقة واللين حين قالوا: (مين) بدلا من (منو)، وله من جنس الفكاهات في هذا الباب ذخائر، إذا روى طرفة منها ضحك ضحكا عميقا:
في راجل قال لولدو: يا ولدي أولاد الزمن عندهم كليمات بالحيل مزعلاتني.
رد الولد: إزاى يا أبوي؟!
قال الوالد: طَلَّق دي واحدة منهن.
11- فشوّ اللفظة الأجنبية وسيادتها بسبب تقدم الأجانب التقني جعل من عالم العربية نفسه لا يستطيع مثلا أن يسمي كل جزء في سيارته مع خمول المصطلح، وبعده عن الفاعليّة والحركيّة، ولذلك لا يبعد الأمر عن الذي ذكره ابن خلدون في شأن المغلوب المولع أبدا بتقليد الغالب، فرغبة الشَّباب العرب تصلُ بين تقدير التقانة والإعجاب بها وبين الفتنة بلغة مُنتجها.
12- هجوت توتي فخذها اليوم قافية 
أوحى إلي بها شيخ العفاريت
فأعلم بأن قتال النيل مأثرة 
أعيت رجالا وجوما كالمباهيت
ثر أيها النيل إن الوعد منتظر 
لن يخزي الله في يوم الوغى توتي
إن أزبد النيل أو جاشت غواربه 
ذاق الهزيمة من صد وتشتيتِ
قد حاز الشرف العالي أوائلنا 
فليس حبلهم منا بمبتوتِ
وبات يحسدنا قوم لأن لنا 
فخرا عظيما ومجدا ذائع الصيت
أما التجاني لما قال قافية
تحكي شعور فؤاد منه مبهوت
شاقته توتي بحسن لا نظير له 
كأنما اشتق منه سحر هاروت
شتان بين بلاد في قرنفلها 
لم ينجها حسنها من بطش طاغوت
وبين توتي وقد صانت محارمها 
رجال صدق من الصيد المصاليت
لم تبلغ النية الشوهاء مبلغها 
حتى وإن غنمت أسلاب جالوت 
إن الجزائر لا ترقي لهامتنا 
ولا صير الله توتي مثل هاييتي
وللحديث بقية بإذن الله تعالى.

شكرا مكتبة الملك فهد الوطنية - مجدي الحاج

ومن باب من لا يشكر الناس لا يشكر الله عز وجل فإني أتوجه بالشكر الجزيل للقائمين على أمر مكتبة الملك فهد الوطنية بالمملكة العربية السعودية على تشريفي بأرشفة ديواني المتواضع: "إلى سيدة لا تعترف بالحب"، ضمن إرشيف مقتنياتهم النفيسة من الكتب والمخطوطات.
ولهم مني جزيل الشكر مجددا على مجهوداتهم القيمة في نشر العلم والثقافة والتنوير؛ وهذا الأمر ليس بمستغرب على أهل المملكة العربية السعودية التي أحبها من كل قلبي، وقضيت فيها سنينا من أجمل سنين حياتي العملية والإجتماعية.

الأسود يليق بنا - مجدي الحاج

سألتني محبوبتي ذات لقاء: 
أراك تحب ارتداء اللون الأسود مثلي؛ فما هو السر يا ترى؟!...
فأجبتها:
أحب ارتداء اللون الأسود لأنه يذكرني دائما بسواد عينيك الحالمتين والبريئتين...
وأحبه أيضا لأنني أرى فيه كحلهما الأنيق وأنت تضعينه بمرودك الفضي الجذاب وترسمينه كما كانت ملكة السمر "نفرتيتي" تفعل...
وأحبه كذلك لأنه لون قماش عباءتك "الموسلين" البراق، ولون خمارك اللامع والذي يخفي تحته شعرا أسودا كسواد الليل الحالك...
وأحبه لأنه لون الليالي الطويلة التي أسهرها وأنا أسامر اشتياقاتي لقربك...
وأحبه لأنه لون قلادتك المصنوعة من اللؤلؤ الأسود الحر، فاللؤلؤ الأسود أغلى ثمنا من جميع أنواع اللآلئ الأخرى، وهو أندرها على الإطلاق، ويجيء من أعماق أعماق المحيط بعد جهد جهيد...
وأحبه لأنه لون أستار الكعبة المشرفة، ولون حجرها الأسود المكرم، ولا زلت أذكر تلك اللحظة التي كنت أناجي فيها المولى عز وجل عندها في أطهر بقاع الأرض "مكة"، وأسأله بإلحاح حتى يجمع شملنا وقد كان...
وأحبه لأنه لون المسك الذي يذكرني بعبير أنفاسك وهي تعطر الأفق الممتد حال حضورك...
وأحبه لأنه لون القهوة الصباحية التي تعدينها لي بدفء؛ فيغمرني دفء إحساسك في إعدادها قبل أن يتخللني دفؤها حال ارتشافها...
وأحبه أيضا لأنه اللون الذي أعطى وطني الحبيب "السودان" جذر اسمه اللغوي؛ ولأنه الذي جعل الأديب الأسمر "الجاحظ" يؤلف مصنفه العبقري والرائع في "فضل السودان على البيضان"...
وأحبه لأسباب أخرى كثيرة ولكن أهمها بالنسبة لي هو أنك أيضا تحبينه...
هل عرفت الآن لماذا أحب ارتداء اللون الأسود؟!...