الثلاثاء، 17 مارس 2015

مختارات من أشعار الشاعر السوداني الشاب محمد عبد الباري


(1)
راهنتُ
قالَ لي الرهانُ: ستربحُ
فلمحتُ في الأنواءِ ما لا يُلمحُ




سفرٌ وجوديٌ،
و(موسى)
طاعنٌ
في البحرِ
و(الخضرُ) البعيدُ يلوّحُ





سفرٌ شفاهيٌ،
تقولُ نبوءةٌ
(للنفرّي): إذا كتبتَ ستشطحُ




سفرٌ ولا معنى،
فكيفَ تدفقتْ 
هذي الشروحُ
وأنتِ ما لا يُشرحُ ؟!




ضاقت بكِ اللغةُ القديمةُ
مثلما
بالمسرحيةِ
قد يضيقُ المسرحُ




عيناكِ...
ما أرجوحتان ِ
على المدى
قالتْ لكل المتعبينَ: تأرجحوا ؟!




المطلقُ الممتدُ في حُزنيهما
من كلِ أعراسِ الفصاحةِ أفصحُ




تختارُني الأبوابُ كي أخلو بها
والبابُ بعد البابِ
باسمكِ يُفتحُ




لم اسأل الكُهانَ عنكِ
منحتُهم
ظلي
ورحتُ إلى القداسةِ أسبحُ




ودخلتُ للثمر الحرامِ
ألمُه
والسادنُ الأعمى ورائيَ ينبحُ




بايعتُ فيكِ فكيفَ لا يجري دمي ؟!
وسكرتُ منكِ فكيف لا أترنحُ ؟!




أنا آخرُ الشهداءِ
جئتُكِ قطرةً
من بعدها هذا الإناءُ سينضحُ




مطرُ القرابين استدارَ
وقد جرى
بدمِ الملائكةِ الصغارِ المذبحُ




صعدَ الحواريونَ 
خلفَ مسيحِهم
ورنوا إليكِ من السماء ولوّحوا




وتفتحوا في ضوءِ آخر نجمةٍ
في العشقِ ما يكفي 
لكي يتفتحوا




جُرحوا 
فقلتُ: إليّ
قالوا : لا تخف.
لن يكبرَ العشاقُ حتى يُجرحوا !




سنزحزحُ الليلَ المعلقّ
ريثما 
نغتالُه 
والليلُ قد يتزحزحُ




سنمرُ بالتاريخِ 
مرَ غمامةٍ 
سالتْ على الراعي الذي لا يسرحُ




سنكونُ أولَ ما نكونُ
رصاصةً
بيضاءَ
تومضُ في الجهاتِ وتمرحُ




سنظلُ في (جبلِ الرماةِ)
فخلفنا
صوتُ النبيّ يُهزُنا : لا تبرحوا



(2)




أُحبكِ في أزرقٍ لا أسمّيهِ لونا 
ولكن أسمّيه موتي 
وفي شارعٍ لا يريدُ الوصولَ
ونافذةٍ لا تُطيقُ الجدارَ
وفي قمرٍ مولعٍ بالهدوءِ
يلوّحُ لي باستقالتِه كلما جُنّ باسمكِ صوتي 
فلستُ أناديكِ إلا و يسقطُ فوقي الظلامْ





أحبكِ 
في المطرِ المتخثرِ فوقِ أعالي الجبالِ 
وفي الضفتينِ من النهر لا جسرَ بينهما 
في البريدِ الذي لم يصلكِ
وفي الصلواتِ الأخيرةِ عادت إلى الأرضِ
من دون أيّ سماءِ
وفي قُبلةٍ علِقت في الهواءِ
لأن فماً تاهَ منهُ فمٌ في الزحامْ




أحبكِ في مهرجانِ السكوتِ
نرانا..فتلمعُ منا العيونُ انبهارا
وتخفتُ شيئا فشيئا
كأنّا قطارانِ 
بعدِ المحطةِ في الاتجاهِ المعاكسِ سارا
ولم يجدا لحظةً للكلامْ




أحبكِ في غَبَشِ المنتصفْ
وفي غامضٍ لا يُسمى 
يقابلني في الطريقِ 
وباسم الضبابِ المكثّفِ يأمرني أن أقفْ
ولا أكملَ الشوط نحو حريرِ يديكِ ونحو الغرامْ




أحبكِ في غُربةٍ 
تكبرُ الآن بينَ العيونِ وبين الشفاهِ وبين الأصابعِ 
أشعرُ أن المسافةَ تركضُ بيني وبينكِ
تزدادُ ناري ونارُكِ بردا 
ونزدادُ عن أولِ الحبِ بُعداً 
وفي البَدءِ كان الختامْ




أحبكِ
في المستحيلِ البعيدِ – وقال ليَ اللهُ لن تبلُغه – 
أحبكِ حدَ انتهاءِ الكلامِ 
وحدَ انطفاءِ اللغة
والسلامَ..السلامْ


(3)


لن ينتهي سفري
لن ينتهي قلقي
لأنني الزورقُ المنذورُ للغرقِ
... 
أنا ابنُ تلك الأحاجي
... جئتُ أقرأها
وجئتُ أمسحُ دمعَ الظلِ
في الطرقِ
أمضي 
وصوتٌ من الأعرافِ يجلدُني:
كابدْ
وفتّشْ عن الأسرارِ
وائتلقِ
أمضي
ومبخرةُ الدرويشِ تُنبئُني
أني إذا جزتُ بابَ الكهفِ لم أفقِ
تشدني السككُ العمياءُ
تُلبسُني
صمتي
وتنبذُني في ألفِ مفترقِ
هذا طريقي إلى سيناءَ
دائرةٌ
يسيرُ مختتمي فيها لمنطلقي
ماتتْ على الشاطئ الغربيّ قافلةٌ
من الوجوهِ
ودمعُ الواصلينَ بقي
إن الحقيقةَ- كالصحراءِ – قاسيةٌ
ليست تحادثُني
حتى ترى عرقي
يقول لي عمُنا العطّارُ:
حكمتُنا
من "منطقِ الطيرِ" 
لا من منطقِ الورقِ!
لقُبّةِ الغيبِ معراجانِ يا ابن أخي:
أن تشربَ السرَ
أن تنأى عن النسقِ!
يقول لي عمرُ الخيّامُ في ثقةٍ:
بغيرِ خمرتِكَ السوداءِ لا تثقِ !
تقولُ لي خِرقةُ الصوفيّ:
يا ولدي
رأى المحبُ جلالَ اللهِ حينَ شقي !
يقولُ لي هدهدٌ
قد عادَ من سبأٍ:
من لم يذقْ وحشةَ الأسفارِ لم يذقِ !
تقولُ لي
آخر الآياتِ في صُحفي:
مابينَ ضوءين

تحلو ظلمةُ النفق



(4)


تهبّينَ 
كالتعبِ النبويّ
ملألأةً بالوضوحِ الخفي

يسميكِ وقتُكِ ( ما لا يُذاقُ )
أُسميكِ ( من ذاقَ لم يكتفِ)


أُسميكِ 
نهرَ الهواءِ الغريبِ 
لأني عرفتُ...ولم أعرفِ...

أيا امرأةَ اللحظاتِ الثلاثِ
تجليتِ (قبلَ...) و(بعدَ...) و(في...)

لوجهكِ 
متقداً في الجبالِ
أشقُ الدروبَ ولا أقتفي

تشدينني من جراحي
فأدنو
إليكِ
ولا جُرحَ إلا شُفي

يقولُ لكِ الوردُ في داخلي
بحقِ صلاتي عليكِ 
اقطفي

ويدعوكِ قبري الذي أرتديهِ:
أضيئي ولو مرةً 
واختفي

أخذتكِ 
من دهشةٍ في المجازِ
يسيلُ بها الوحيُ في المصحفِ

وكنتُ اصطفيتُ من الكلماتِ رعودي
ومثُلكِ لم أصطفِ

سنعبرُ من هُوةِ الخوفِ
هل تقولين: قفْ ؟! 
هل أقولُ: قفي ؟!

يوتّرنا البردُ والمستحيلُ
تعالي إلى داخلي
وارجفي

نلوذُ بنرجسِ أخطائنا 
ونشتّدُ 
في الزمنِ المرهفِ

أُعيذكِ 
من أن نخون الدوارَ 
ونركنَ للثابتِ المنتفي

وعدناهُ 
بالقلقِ الأبديِّ
ومن مثلُنا بالوعودِ يفي

دعي للبدايةِ إيقاعَها 
فأوراقنا بعدُ لم تُكشفِ



(5)



النهاراتُ بنتُ عينيكِ 
لكن
مسجدي يرفعُ القصيدةَ ليلا

بيننا 
وحشةُ المسافةِ تعوي 
جُنّ من زوّجَ الثريا سُهيلا


ربما مرةً تمرّدَ ظلي 
حين أبدى لظلِ ظلكِ 
ميلا

كنتُ وهماً
فلا تطيلي انتظاري
إنني أبعدُ الخرافاتِ 
نيلا

منذُ لوّنتُ بالمجازِ عيوني 
لا أرى الخيلَ في الحقيقةِ خيلا

بانتباهي إلى البعيدِ 
مصابٌ 
وأسمي الغمامةَ الآن 
سيلا

يا التباسي الأخير
أُقسمُ أني
لستُ قيساً ولا أظنكِ ليلى


(6)




الكهاناتُ في يديكَ
فسبّحْ
من بنهر القصيدة البكرِ خصّك

بين حرصينِ: أن تكونَ وألا...
دعْ رياحَ المجازِ
تشرحُ حرصَك


كن خفيفا على المرايا
خفيفا حدَّ أن لا ترى مراياكَ
شخصَك

بضبابية الأعالي 
تحدثْ
واقتبس من أوائلِ الخمرِ 
نصَك

أنت أعلى من ألف ليلةِ قصٍ
"سكتت شهرازدُ" 
كي لا تقصَك

وهمى المولويُ في كل شيءٍ 
حين 
علّقتَ في السماواتِ رقصَك

لاكتمالاتك البعيدةِ
خذنا مرةً 
كي نراكَ تُتقنُ نقصَك



(7)







سنسمي آخرَ الموجِ بلادا 
ونعانيها 
انحسارا وامتدادا




يا اقترابَ اللهِ 
من أعماقِنا
كلما ذقناكَ نزدادُ ابتعادا




إننا نربحُ في الريحِ 
فقمْ 
يا ابن أمي 
نفتح الريحَ مزادا




علنا 
نقفزُ من راياتِنا 
قبلَ أن تحتضنَ الأرضَ حِدادا




نجمةُ الغربة حانت
فالتمعْ في أعاليها 
حلولا 
واتحادا




أشرعت تغريبةُ الوقتِ يديها
لخطانا
والمدى المشروخُ نادى :




إن تأخرتم عن الدربِ قليلاً
ربما ينتفخُ الدربُ انسدادا






يا ابن أمي 
قمْ نصدْ من ليلنا وطناً يومضُ 
واحذر أن نُصادا




إننا الآن رحيلٌ غجريٌ 
كلما أرجعهُ المجهولُ 
عادا




صوبَ ما لا...أومأت وجهتُنا
كلُ ما لا...قد جعلناه مرادا




إننا نعبرُ 
كالظلِ خفافاً 
سفرُ الأرواحِ لا يحتاجُ زادا




هاهنا الأزرقُ 
يبني دولةً 
تصلُ الشطين والسبعَ الشدادا




هل ترى عقبةَ يثني روحَه
قبلَ أن يثني عن الماءِ الجيادا




ولسانَ الدينِ 
ينعى دمَه: 
"يا زمانَ الوصلِ..إن الغيث جادا"




هل علقنا في أمازيغيةٍ 
كحلُها قد يُحرجُ الليلَ 
سوادا




كيفَ حالُ الطقسِ 
هل خلخالُها
زادَ نيرانَ المجّراتِ اتقادا




أين أصبحنا 
بخورٌ شاذليٌ من سقوفِ الملأ الأعلى تهادى




بردةٌ تلبسُ أهلَ الله 
قالت: 
بعد كعبٍ 
جفّفَ البينُ سعادا




غامضٌ 
يجتذبُ الغامضَ منا
مثلما
تجتذبُ الياءُ المنادى




خذ يدي
حتى نجوزَ المنتهى 
أوشك المطلقُ...
والعابرُ كادا...




كان إيذانا بأن نبقى معاً
أن نُصلّي مغربَ الروحِ 

فرادى



(8)




يومَ لا ينضبُ شلالُ الصبايا
تنتهي هندٌ 
لكي تبدأ مايا

الجميلاتُ دوارٌ دائمٌ
وهواهنّ دخولٌ في المرايا


حين يمشينَ
فيا أرصفةً 
لم يعد فيها من الصبرِ بقايا

حين يحكينَ 
يُعلقن المدى 
في ضبابٍ شهرزاديّ الحكايا

حين يغمزنَ
تقومُ الحربُ من نومِها 
والموتُ يختارُ الضحايا

حينَ يمكرنَ 
فـ "طروادةُ" قد سقطتْ
والخيلُ حبلى بالسرايا

حينَ يضحكنَ
تجفُ الشمسُ كي
يطلعُ الصبحُ بتوقيتِ الثنايا

حين يأرقنَّ 
تنادي نجمةٌ :
أيها الليلُ
اتقدْ بُنّا وشايا

حين يحزنَّ
- وفي الحزنِ ندى - 
تسرقُ اللحظةُ من يعقوبَ نايا

حين يُهزمنَّ 
ترى غرناطةً
وهي لا تسمعُ في الحمراء آيا

حين يُكسرنَ
ملاكانِ على
وجعِ الأرضِ يلمان الشظايا

حين يُحببن 
يهاجرنَ من
الجرحِ للجرحِ
و ينسينَ الوصايا

الجميلاتُ حريقٌ أولٌ 
في الخيالاتِ
وبردٌ في الحنايا

الجميلاتُ منافينا التي
سلبتْ أوطانَنا كلَ المزايا

الجميلاتُ هدايا اللهِ 
من يقدرُ الآن
على ردِ الهدايا ؟!


(9)



نبيٌ ببعضِ الوحي
داخَ ودوّخا 
يشدُ من الروحِ البعيدةِ ما ارتخى

يوزّعُ في برقِ الأعالي بياضَه
ويركضُ بين البحرِ والبحرِ 
برزخا


إذا زلَ ذكرٌ أخضرٌ 
عن شفاهه
ملائكةٌ تدنو إليه 
لتنسخا

سليلٌ لتسبيحِ المجراتِ
ذاهبٌ 
إلى نايِ مولانا "الجلالِ"
لينفخا

أتى من ظلامٍ بالمجاذيبِ ساطعٍ
وفي حافةِ الضوءِ النهائيّ
نوّخا

أتى 
من جدارٍ كاد ينقضُ 
من دمٍ
برائحةِ الذئبِ البريء تلطخا

رأى الأرضَ
مذ كانتْ إلى يومِ تنتهي 
فصارَ لما لم يأتِ بعدُ مؤرخا

وبغدادُ – جمرُ العارفينَ -
دعتهُ : يا...
فسارَ على رجليهِ حتى تسلخا

"ترصّفَ" : أعطتُه الرصافةُ حزنَها
وأجهشَ فيه الكرخُ 
حتى "تكرّخا"

غريبٌ 
تسميه الغرابةُ شيخَها 
ويجهلُ – يا الله – كيفَ تشيخا

وعارٍ من الأشياءِ 
إلا من الرضا 
فكم بالرضا واسى 
وكم بالرضا سخى

يقسّمُ في العطشى 
وضوءَ محمدٍ
ويدني مساكينَ المساكينِ للرخا

يقولُ لأبراجِ الشموخِ: تكسري
سأحتاجُ أن أبقى فقيرا
لأشمخا

سلالمُه:
جوعٌ ورفضٌ وغبطةٌ 
بهّن 
يدويّ : لن أذلَ وأرضخا

غبارٌ هي الدنيا 
ولا شيءَ مثله
يمرُ عليها دون أن يتوسخا

قطاراً..قطاراً 
كان يحصي وقوفَه
وما اجتازَ - يا كلَ القطاراتِ – فرسخا

وحيدٌ كحدِ السيفِ 
يهتفُ دائما: 
ألا يا "أبا ذرٍ" أردتُكَ لي أخا

يعودُ إلى النبعِ المصبُ
وكلما
دعتهُ إليها سورةُ الوحشةِ انتخى

تجوعُ مجازاتٌ 
فتطرقُ بابَه 
لينهضَ في ليلِ الكلامِ ويطبخا

زجاجُ القراءات القديمةِ
كلما 
أراد اقترابا منه 
زادَ تشرخا

يراوغُ أسوارَ الوصايا
يسيرُ في 
مدينةِ أفلاطونَ 
نصا مفخخا

يفتشُ عن قلبٍ يرى دونَ أن يرى 
وعن جبلٍ 

يرقى إليه ليصرخا


(10)




السلام على الأرض:
حيث الجميعُ يخونُ الجميعَ
وحيث البلاد تضيق علينا
لتستوعبَ الأضرحة


السلام على هوّة في السماءِ:
تقللُ من ثقة الصقرِ بالأجنحة

السلامُ على غفلةٍ في الدروايشِ
موجزُها الأبديُ: 
"لكي تصلح الأمرَ..يكفيك أن تحملَ المسبحة" !

السلامُ على العسكر الوادعينَ:
يحيّوننا بالرصاص وبالغازِ
يعطوننا دورةً في احترام البساطير والأسلحة

السلامُ على لحيةٍ لا تردُ السلامَ عليّ
سأعذرُها
فهي مشغولةٌ باتباع الدليل "إلى الشيك ذي الرقم الفلكي"
ومشغولةٌ بالتحققِ من كل نصٍ يؤكدُ شرعيةَ المذبحة

السلامُ على الحبرِ والوسخِ الصحفي:
سيحشو المثقفُ غليونه بالأكاذيبِ
يحلقُ شاربَه "بعدَ ذمتِه"
ثم يكتبُ ألفَ كتابٍ يوثقُ فيها مسيرته في التذبذبِ والأرجحة

السلامُ على القصر:
موسى سيكبرُ فيه
وفرعون لن يستطيعَ - وقد أمر الجند والقابلات بذبحِ المواليدِ- أن يذبحه

السلامُ على آخر الصاعدين إلى الله:
إن سبحته ملائكةٌ بتراتيلها
فهو بالدمِ قد سبّحه



(11)




دخلنا إلى ذاتنا
نلتقي
بها
فتشظت إلى ألفِ ذاتْ





نجيبُ ونسألُ :
- من أنتمُ ؟
- نحنُ كل البكاءِ..وكل الشكاة




- وأين تقيمونَ ؟
- في الهامش الحرِ
بين الخواتيم والبسملاتْ




- وهل تعملون ؟
- نعم
وظفتنا بعقدٍ
مؤسسةُ النائباتْ




- لماذا تربونَ أحزانكم ؟
- لنجري الرواتبَ للنائحاتْ




- وأفراحكم
كيف مرتْ عليكم ؟
- مرورَ النبيينَ بالموبقاتْ




- وما شكلُ إيمانكم بالظلامِ ؟
- كإيمانِ مقبرةٍ بالرفاتْ




- وماذا ادخرتم لطوفان نوحٍ ؟
- قواربَ
من غفلةٍ وسباتْ




- لمن سوف تعطون أصواتكم
في انتخاباتكم ؟
- هبلٌ أو مناةْ




- ومن بينِ كل الشعاراتِ
ماذا تحبونَ أن ترفعوا ؟
- لا نجاة




(12)








تعبٌ أن نضيءَ ما لا يُضاءُ
أن نخونَ الظما
ونحنُ الظماءُ !




المزاميرُ صوتُ داوودَ.
صوتي
ما أرادتْ لنفسِها الصحراءُ





سقطتْ وردةُ المكانِ
فقولي
أين منّا الأمامُ...أين الوراءُ ؟!




الطريقُ..الطريقُ:
ما لم نحددْ
بعدُ.
والوجهةُ: العراءُ..العراءُ !




فاخرجي من سقوطنا الحرِ
وانسي
أننا في الروايةِ الأشقياءُ




وتعالي لحكمةِ النردِ :
نرمي
لتشاءَ الجهاتُ ما لا نشاءُ




جئتُكِ الآن
من حريقٍ بعيدٍ
فاسألي الكاذبينَ: من أين جاءوا ؟!




كلُ حريةٍ
صعدتُ إليها
أنتِ فيها الرصاصُ والشهداءُ




أنت بوابةُ الخروجِ
من الذنبِ
وبوابةُ الدخولِِ النساءُ




كلما سلتِ في (جُنيدٍ) جديدٍ
رفرفت خرقةٌ
وسبّحَ ماءُ




لو تمرينَ بالخطايا
ستبكي
في الخطايا الطيوبُ والأضواءُ




جبلُِ الليلِ بين عينيكِ
عالٍ
كيف – يا أنتِ - يصعدُ الأولياءُ ؟!




يا ابنةَ السورةِ الأخيرةِ
كوني
آيةً لا يُطيقُها القرّاءُ




لا أسميكِ .
.
.
.
منذُ كانت وكنّا
لم تطعْ غير آدم الأسماءُ




(13)








تعالَ إليّ يا قمرّ الدخانِ
ولا تهربْ..
فكلُ الأرضِ أرضي




دوارُ البحرِ يـأتي من دِناني
وتأتي الريحُ
من بسطي وقبضي





يُطلُ الموتُ من آنٍ لآنِ
ليرصدني..
وحينَ أُطلُ يُغضي




ستنبجسُ المراثي في الأغاني
إذا بعضي أتمّ لقاءَ
بعضي




أنا المكتوبُ في السبعِ المثاني
فمن
يسطيعُ بعدَ الآن دحضي ؟!




يرددُني المؤذنُ في الآذانِ
ويشهدُ أنني
صليتُ فرضي




فيا خوفي البعيد..و يا هواني
سأنزلُ
فيكما
قرآنَ
رفضي


(14)








غيمةٌ تهجسُ بالبدوِ القدامى
لمستني
فتطايرتُ حماما





لازوردٌ
في السمواتِ العُلى
يكشفُ الليلَ عن الليلِ
تماما




قبةٌ خضراءُ
مذ أبصرتُها
خلعت نفسيَ عن نفسي الضراما




ومناراتٌ ...بكت أنوارها
بين عينيّ
فأنستني الظلاما




وشبابيكُ على ريحانها
قد تناثرتُ صلاةً وسلاما




يا أبا الزهراءِ
باركْ هجرتي
فأنا خلفكَ صليتُ القياما




جئتُ كي أخرجَ من تغريبتي
فعلى القصواءِ علقني زماما




مُرْ " حنينَ الجذعِ " أن يبكي معي
ليعزي المستهامُ المستهاما




وانتدبني "للبقيعِ" المشتهى
نجمةً
تحرسُ أسرارَ الخزامى




يا ندى الأشياءِ يا نعناعَها
لاتلمني
إن تدفقتُ غراما




واقفٌ منكَ أنا في جمرةٍ
أوشكتْ واللهِ تخضرُ هياما




تصعدُ الحضرةُ بي للمنتهى
حين أتلوكَ
مقاماً
فمقاما




انمحي في الملأ الأعلى
فلا
يظمأ القلبُ ولايشكو الزحاما




أتمنى
– والدراويشُ معي -
نظرةً منكَ لأصطادَ الكلاما




يا أبا الزهراءِ
ذكراك معي
لم تفارقني ..رحيلاً ومُقاما




كنتَ في أغنيةٍ تحرسُ مهدي
وحليبٍ لم أردْ منه الفطاما




صمتُ..صليتُ
ونجواكَ على
شفتي
يا خيرَ من صلى وصاما




ولكم جففتُ صحوي
وأنا
أعبرُ الغيبَ
لألقاكَ مناما




علني في "أُحُدٍ" أُصبحُ درعاً
بين جنبيكَ
وفي "بدرٍ" حُساما




علني أعصفُ في الريحِ التي
طوت "الخندقَ" تجتثُ الخياما




علني أعصرُ روحي مطراً
في " تبوكٍ"
لتغطيكَ غماما




سيدي..
أحملُ جدبينِ معي:
قلقا مُرا...وإحساسا مُضاما




لم ينم شكي ولا سفسطتي
أعطني " غارَ حراءٍ " كي يناما !




مُد لي صوتَك أعتّمُ به
كلما تفاحة ٌ سالتْ حراما




مُد لي "لاءك"
كي لا أنحني
حينما أخترقُ الموتَ الزؤاما




مد لي قلبكَ
كي أبكي به
فهنا الإنسانُ قد عادَ رُخاما




مُد لي عبر الأعاصيرِ يدا
منكَ
كي أرعى بها كل اليتامى




مُد لي روحكَ
كي أمشي بها
في جياعِ الأرض ماءً وطعاما




تنزفُ الرهبةُ في عالمنا
والنبيونَ يُشعون سلاما




عند سيناءَ
أضاءوا شمسَهم
وأداروها عراقا وشآما




سافروا في شجر الوقتِ هدىً
ثم عادوا للسماواتِ
يماما




أزلٌ جفّ
وهم من بدئِه
قصةٌ
قد وجدت فيك الختاما




دقَ جبريلُ النهاياتِ
على
صوتكَ العالي
وأعطاك التماما




ثم أهداكَ براقا أبيضا
لتصلي بالمحبينَ إماما


(15)








أن تفتحَ نافذةً للبحرِ
لتُشرعَ ذاتكَ
في الضوءِ الأزرقْ







أن تخرجَ من ضحكاتِ رفاقكَ
- حين يطيلونَ الثرثرةَ أمامَ الموجِ-
وتدخلَ وحدكَ فيكَ
ليأخذك المجهولُ إلى مُدنٍ لم تُخلقْ






أن تقفزَ فوقَ حجابِ الوقتِ
لتسألَ عن قبرِ (الإسكندرِ)* أقربَ صاحبِ تكسي
فيجيبُك:ذهبَ الموتُ به نحو الأعمقْ !!






أن تختبرَ الحدسَ
وتمشي في السككِ الخلفيةِ للمخطوطاتِ
وتشربَ قهوتكَ المرةَ في غُرفةِ (هيباتيا)*
وهي تعيدُ صياغةَ تعريفِ الموتِ
وتشرحُ سفرَ المطلقِ للمطلقْ






أن تقطعَ تذكرةً للملأ الأعلى
كي تجلسَ بجوارِ (أبي العباس المرسي)*
وتقولَ له:
هل كنتَ الواحدَ في الواحدِ ؟!
كيفَ عبرتَ اللهبَ الكامنَ في الأبوابِ ؟!
وماذا عن حضرتكَ المنصوبةِ تحت العرشِ ؟!
وأين وجدت الجزءَ المفقودَ من الشفرةِ ؟!
حدثني يا مولايَ
فبالأسئلةِ يحاصرني الزمنُ / الزئبقْ






أن تذهبَ في منتصفِ الريحِ
إلى الكورنيشِ
تعدُ الشايَ لغربتكَ المتوقعةَ،
تبعثرُك الصدفةُ حين ترى في الشطِ (كفافي)*
كان يمزقُ مسودتَه الألفَ
ويمعنُ في تنقيحِ قصيدته الأولى،
حين رآك طواها بين يديه وقامَ
فصحتَ به: اسمعني.
فاللغةُ ستعمى...والبحرُ سيغرقْ !!






أن ترجعَ لرفاقكَ بعدَ الرحلةِ والوهمِ
وتغرقَ معهم في الضَحِكِ الصبيانيّ
لتدفنَ ذاكرةَ القلبِ المرهقْ !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق