السبت، 8 فبراير 2014

رائعة الشاعر السوداني الشاب: "محمد عبد الباري" - تناص مع سماء سابعة

«السالك ذاهب إليه.. والعارف ذاهبٌ منه»
أبو مدين الغوث


أدورُ أدورُ.. خذني يا هوايا 
أريدُ الآن أن أهوى.. وأهوى
أنا من ليسَ تعكسه المرايا
وما لي غير ظلِّ العرشِ مهوى
أعلقُ سُبحتي في الريحِ نايا
وأفرشُ جُبّتي في الأرضِ بهوا
أنا المحكيُّ في كلِّ الحكايا
ولستُ أريدُ بعدَ اليومِ زهوا
سأتلو سورتينِ بلا نوايا
وأسجدُ في الجهاتِ الستِّ.. سهوا
فلا تُكثر عليّ من الوصايا
وإن ضيّعتُ أندلسينِ لهوا
سأنجو.. ثم لن ينجو سوايا
لأني قد تركتُ البحرَ رهوا

أقولُ لجرةِ الأرواحِ صُبّي 
فأجراسُ الصبابةِ بي تُدقُ 
أنا ربُّ الهوى.. واللهُ ربي
ويكتبني على البلورِ برقُ 
رسمتُ الشرقَ.. ثمَ مسحتُ غربي
لأن بكارةَ الأشياءِ شرقُ
فمي (بردى) وحينَ أديرُ نخبي
تُزوّجني صباياها دمشقُ
أحبُّ وليسَ من حبٍّ كحبّي
فلي أفقُ.. وللعشاقِ أفقُ
خفقتُ.. فرفرفتْ من نارِ قلبي
ملائكةٌ لهم في اللهِ خفقُ
ملائكةٌ.. إذا أتممتُ شربي 
هتفتُ بهم: رويِتُ الآن.. فاسقوا! 

ويومَ أضأتُ باسم الله فقري
تعجّبَت المجرةُ من رفاهي
دمي في أضلعِ الشهداء يجري
وأسمائي على كل الشفاهِ
شهدتُ مع الملائكِ يوم «بدرِ»
وزوجتُ السيوفَ من الجباه 
وحين ظمأتُ كانت كأس خمري
تسيلُ.. وكنتُ أغرقُ في الملاهي
صعدتُ نزلتُ.. ثم رأيتُ عمري
يحدّقُ في فراغِ اللاتناهي
أنا القلقُ المدببُ في «المعري»
أنا الشكُّ المبعثرُ في «الزهاوي» 
عصاي معي.. ومن سرٍّ لسرِّ
تُضيعُ خطايَ في كل اتجاهِ 

كـ»إبراهيمَ» حين نعى حريقَه
نعيتُ دمي لأفتديَ «الذبيحا»
ومنذُ الماء ألهمني الحقيقة 
ركضتُ على مباهجِه «مسيحا»
ومنذُ أخذتُ عن شيخي الطريقة
أبى هذا الهوى أن يستريحا 
يقولُ ليَ المنجّمُ: لن تطيقَه ! 
أنا الإعصارُ قد لاقيتُ ريحا.
فيا ليلَ الكلامِ ويا بريقه
تعالا.. واقطفا صمتي الفصيحا
إذا «أبيقورُ» خانتهُ «الحديقة»
أنا شيدتُ فلسفتي ضريحا 
وإنْ «روما» من المدنِ العتيقة
فذي يا أولَ الدنيا «أريحا»

عبرتُ من المجاز إلى المجازِ
وقد طيّرتُ أيامي كلاما 
وهبتُ النوتةَ الأولى نشازي
فصفّقَت المقاماتُ احتراما!
وقلتُ لـ «نجد»: ها صوتي «حجازي»
يفيضُ عليكِ بالبدو القدامى!
وقلتُ لميتٍ: دعْ لي التعازي 
سأكتبُ عنكَ من دمعِ اليتامى!
وراسلتُ «النبيّ»: بك اعتزازي
وزرتُ «قريش» أسقيها المُداما
وبلغتُ السلامَ لكل غاز ِ
وقلتُ له -وقد رد ّالسلاما-: 
مطارُك ساهرٌ.. فاختم جوازي 
وأدخلني القصيدةَ كي أناما 

تعالَ إليّ يا قمرَ الدخانِ 
ولا تهربْ.. فكلُّ الأرضِ أرضي
دوارُ البحرِ يـأتي من دِناني
وتأتي الريحُ من بسطي وقبضي
يُطلُّ الموتُ من آنٍ لآنِ 
ليرصدني.. وحينَ أُطلُ يُغضي
أنا المكتوبُ في السبعِ المثاني
فمن يسطيعُ بعدَ الآن دحضي
يردِّدُني المؤذنُ في الأذانِ 
ويشهدُ أنني صلّيتُ فرضي
فيا خوفي البعيدَ.. ويا هواني
سأنزلُ فيكما إنجيلَ رفضي 
ستنبجسُ المراثي في الأغاني
إذا بعضي أتمّ لقاءَ بعضي

أمدُّ من السماءِ الآنَ حرفا 
لشيطانيْنِ باسم اللهِ عاذا 
وأهدي للبحار السبع مرفا
يكونُ لكل بحّارٍ ملاذا 
سأخفي دائماً ما ليس يخفى 
لتزدادَ المسافاتُ انتباذا
دمي المصبوبُ في وجعي المقفّى
سيهطلُ بين قرائي رذاذا
أنا عريُ الجدارِ.. يريدُ سقفا
ويمتحنُ السماء: متى؟! وماذا؟!
ولي في الفتيةِ الـ يبغونَ كهفا
مواقيتٌ لمن لبّى وحاذى
ولي رئتانِ: ذاكرةٌ ومنفى 
أضيفُ لهذهِ ما قالَ هذا!

صلاةٌ.. والصلاةُ الآن مثنى
فلا تُوْتِرْ.. وإن غمَرتْكَ شمسي 
زمانُك لحظتانِ: تكونُ.. تفنى
وبينهما ستصبحُ ثم تمسي!
قصصتُ عليكَ من رؤيايَ سجنا
فكنْ طيراً لتأكلَ خبزَ رأسي
وكنْ في أولِ الموّالِ حزنا
لتَذكرَ.. آخرُ الموّالِ يُنسي
ولا تطلبْ من الكلماتِ معنى
فحسْبُكَ أن تعودَ بنصفِ جرْسِ 
ستنسى دائماً في العودِ لحنا
وتنسى قطرتينِ بكلِ كأسِ 
فقلْ: يا خوفُ حين تكونُ أَمْنا
سأهدي غابتي الصفراءَ فأسي! 

أنا في حافّةِ الأشياءِ نارُ 
ألوّحُ للقوافلِ في الدياجي 
دمي قبسٌ.. ومسبحتي مسارُ
لأهلِ اللهِ.. والملكوتُ تاجي 
وليسَ لهاربٍ مني فرارُ 
لأن الأرضَ طوّقها سياجي
أنادي كل من ضلّوا وحاروا
إليّ إليّ.. وانتبذوا سراجي 
حقائقكم غبارٌ يا غبارُ 
ولي وهجُ الحقيقةِ في الزجاجِ
وقد يتدفقُ الآنَ الدمارُ 
لأنَ الوقت عكّر لي مزاجي
وليس ولمْ ولنْ يأتي النهارُ 
إذا أجْلْتُ ميعادَ انبلاجي

تركتُ على بياضِ المحوِ ذاتي
وأوقدتُ القصيدةَ والرحيلا
تعبتُ من الثباتِ.. أيا ثباتي 
لقد آن الآوان لكي أسيلا 
سأخرجُ من تلألؤ معجزاتي
فيا ليلَ النهايةِ كن طويلا 
حمامُ من سماء اللهِ آتِ 
ليأخذني ويدخلني الهديلا
أودعكم.. لقد حانت صلاتي
فهذي الشمسُ توشكُ أن تميلا
سأكبرُ في الرمادِ فيا نُعاتي 
أقِلّوا في مراثِيّ العويلا
تركتُ لكم وصايايَ اللواتي
ستغمركم مجازاً مستحيلا 

هنا في مصرَ.. يا موسى الكليمُ 
لقد ضيّعتُ في سيناءَ ناري 
هنا في القدسِ.. إيماني القديمُ
يصيحُ: فها تعبتُ من الحصارِ
هنا في الشامِ.. تَوّجني النعيمُ
وكفّرني أبو ذرّ الغفاري 
هنا في الهندِ لي «حاءٌ» و«جيمُ»
لنهر ٍبالدمِ المهتاجِ جارِ
هنا أثينا.. وسقراطُ الحكيمُ 
يُسمّمني ويشرعُ في حواري 
هنا روما.. أيا «دانتي».. الجحيمُ 
سيبردُ فوقَ طاولةِ القمارِ
هنا كلُّ (الـ هُنا) وأنا أهيمُ 
أفتّشُ في الديارِ عن الديارِ

هناك 3 تعليقات:

  1. قصيدة خرافية رائعة. بل معلقة بالأحرى.

    ردحذف
  2. الراااااائع دوماً محمد عبد الباري،، معينٌ لا ينضب في زمان الجدب والقحط الادبي،،،
    احسنت النشـر

    ردحذف
  3. يعجبني في هذا الشاعر أنه حاذق جدا في استخدام تقنية التناص مع النص المقدس والتاريخي والفلسفي حتى

    ردحذف