الجمعة، 15 مارس 2013

موقف أعجبني جدا للرئيس السوداني الراحل: إبراهيم عبود

حكى الكاتب السوداني الكبير عمر جعفر السوري عن سفير لبناني سابق في السودان اسمه خليل تقي الدين، حكى عن استدعاء الفريق إبراهيم عبود رئيس البلاد آنذاك له بصورة عاجلة حيث قال: 

"تلقيت مكالمة هاتفية ذات صباح من رئيس المراسم بوزارة الخارجية يخطرني بتحديد موعد لي مع الرئيس عبود لأمر عاجل بعيد الظهر، وأن الأمر لا يحتمل انتظار إرسال مذكرة دبلوماسية. 

لم تكن بين لبنان والسودان أزمة حينئذ، ولم يكن في سماء العرب ما ينذر بشر أو يبشر بخير. 

تملكتني الحيرة، وقضيت كل ذلك الصباح في ضيق شديد، أقلب الأمر يمنة و يسرة.

دار بخلدي أن الحكومة اللبنانية أو الرئيس اللبناني قد بعث برسالة لم أدر عنها، فيها ما فيها.

لم أستقر على رأي ولم أصل إلى ما ينير لي الطريق. 

قررت أن أستعد للأسوأ. 

ذهبت إلى موعدي مع الرئيس عبود، وهو رجل متواضع وودود وخجول. 

استقبلني فور وصولي ولكن بفتور ظاهر من غير عداء، ثم دلف إلى الأمر الخطير الذي جعله يستعجل المقابلة.".

استطرد السفير تقي الدين في روايته ومضى إلى القول:

"تمخّض الجبل فولد فأرا.

لقد كان في خدمتي طباخ سوداني ماهر ولكنه طاعن في السن، فصار ينسى بعض الأشياء ويتجاهل في بعض الأحيان أوامري وطلباتي عن قصد أو غير قصد، مما دفعني في يوم من الأيام إلى تقريعه بحدة متناسيا فارق السن ولطف الرجل، أتبعت التقريع بحسمٍ في المرتب، ولم اكتف بالتوبيخ بل وجهت إليه إنذارا بالفصل إن عاد إلى ذلك. 

لم أحسب قط أنه سيذهب إلى رأس الدولة يشكوني إليه، وأن الرئيس سيأخذ المسألة على محمل الجدّ إلى درجة تدفعه لأن يقوم شخصيا باستدعاء السفير. 

قال لي الرئيس إن الرزق على الله ولكن كرامة كل سوداني تعنيه هو بالذات، ولا يتسامح فيها أبدا، ولذلك أراد أن يبلغني هذه الرسالة ولفت نظري إلى هذا الموضوع، وأنه سيكتفي باعتذار للطباخ عما بدر مني، وأن اصرفه عن الخدمة مكرما معززا، إن لم أشأ بقاءه في عمله. 

اعتذرت للرئيس أولا عن ثورتي على الرجل، ثم رويت له بعض أفعاله التي أنستني وقاري. 

ووعدته أنني سأعتذر له فور عودتي إلى السفارة، وأنه سيبقى على رأس عمله. 

وهذا ما جرى.

لم يكن ذلك الطباخ من أقرباء الرئيس، كما لم يكن من قبيلته أو منطقته. 

هزّني ذلك الموقف الإنساني والسياسي والدبلوماسي والإجتماعي وما شئتم من الوصف، حتى يومنا هذا.".

تلك رواية خليل تقي الدين، فأين كرامة السودانيين اليوم من ذلك الموقف، في ذلك الزمان...؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق