الاثنين، 10 سبتمبر 2012

"إرهاف" قصيدة سودانية أبكت كل من قرأها

كتب الشاعر السوداني الأستاذ زكي مكي إسماعيل ملحمة حزينة يودع فيها ابنته الصغيرة إرهاف التي فجر فقدها في أعماقه بنابيع الحزن والشعر خاصة أنها ماتت في ظروف مفجعة ولقد نالت هذه القصيدة الجائزة الأولى في مسابقة نظمها تلفزيون الشرق الأوسط من بين 3500 قصيدة لشعراء من العالم العربي وذلك لصدق مشاعرها...
 

إرهاف صور تمر بخاطري...
حفلت بألوان البراءة والعفاف...
إرهاف من شط الخليج إلى المدائن والضفاف...
إرهاف تبتدئ الشريط...إرهاف فى وسط الشريط
إرهاف خاتمة المطاف...
 رهاف تمسك بالقلم .. وتحوم حول وريقة
تحبو اناملها وتضغط بارتجاف..
ارهاف ترسم بطة .. ارهاف ترسم قطة..
وهناك سرب من خراف
ارهاف اهديها كتابا وتروح تملؤه الرسوم
من الغلاف الى الغلاف
ارهاف فى ثوب الجمال توشحت كعروس فى ليل الزفاف
ارهاف تمطرنى القبل فى كل بقعة من فمى
فوق الجباه وعلى الجبين
وتعيد دورتها على وجهى تقبل فى طواف
ارهاف تشكو من شقيقتها وقد نشب الخلاف
ايمان تضربها فتصرخ وتستغيث
فاهم اضربها لها ..
ارهاف تمنعنى وينفض الخلاف ..
ارهاف كانت تعشق المانجو على مر السنين
لما يا ترى .
الا انه حمضى والاطفال للاحماض دوما عاشقون
ام انه قد كان يشابه لونها القمحى والخد الخجول
لكننى الان ادركت السبب
ارهاف تعشقه يشابه حالها
حال التجمد والسكون
فيه الشحوب وغضبة الاجل العجول
ولانه لون الجفاف اذا تمدد بالصحارى والسهول
ولانه لون الوداع لموسم الدرت الجميل على الحقول
ولانه لون الرحيل لكل خير
سوف يذهب او يزول
ارهاف كانت قمة فى الذوق والكرم الاصيل
كانت كقامة كبرياء تعلو كاشجار النخيل
ارهاف كانت آية للطهر والخلق الجميل
كانت كضوء الشمس منتشرا تبعثر فى الاصيل
والان كسفت شمسها وازفت لتعلن الرحيل
ارهاف كنت وعدتها يوما
ساحضر فى الصباح فواكها
وشرائح بسكويت
ونسيت بعض الحاجيات
فى زحمة الاسواق والعيش المميت
ارهاف تفحص كل كيس الحاجيات
ارهاف ترفض كل اشيائي
تقول ابي ابيت
بنتى تخاصمنى .. وتقول غششتني
انا لم اغش صغيرتى .. اني نسيت
ارهاف كانت تعلمنى الكثير
ومن مناهلها ارتويت
كانت بحق كبيرة وانا الصغير بها اهتديت
ارهاف لن انساك ابدا ما حييت
ارهاف ما كنت كاطفال الفريق
كانت ملامحها الرزانة والامانة والنعومة والشفيق
كانت اذا جاءت تريد حوائجا
تدنو تخاطبنى باسلوب رقيق
فاضمها وتضمنى
ضم الصديق الى الصديق
ابتي اريد البسكويت.. احضره الى
فالبى رغبتها بمشوار الطريق
ارهاف يا طفلة لله درك من كنار
يا طفلة حذقت بفطنتها فنون الاختيار
كانت تنسق بين لون شريطها وقميصها
وحذائها حتى الجوارب والزرار
كانت تشد الانتباه وتعلم الذوق الصغار
كانت تميل الى اللطافة والظرافة والهظار
صور تمر بخاطرى
واراك يا ارهاف فى ثوب التخرج والنجاح
واراك يا ارهاف فى حلل التفوق والفلاح
ارهاف ترعى مكتبتى
كرئيسة للتيم تعمل فى المدائن والبطاح
ارهاف فى ثوب الزفاف سعيدة نشوى يزينها وشاح
ارهاف تمرح فى حديقة بيتها تلهو وابنتها صباح
ارهاف يصحبها عصام شقيقها ويعيدها عند الرواح
ارهاف واقعنا تجهم ويحه
اين المشارق والاضاءة والصباح
ارهاف لن يجدى البكاء عليك لن يجدى النواح
ارهاف ودعناك للرحمن من اكبادنا.
ارهاف ترقد فى السرير
ارهاف ترقص للطيب
وبين ساحات المكان اطفال عنبرها
يصفقون فى حنان .. عجبى لهم
اشباه اطفال تموت ويرقصون ويحلمون
يا وحشتى هى رقصة المذبوح
من وجع الزمان
هى رقصة الطير المرفرف للنعيم وللجنان
ارهاف كانت تجود بكل ما نعطى اليها بلا جدال
ارهاف تهدى للطبيب فواكها فيقول لا
فتصر تدفنها جزاء فى يديه
خذها لابنتك اعتدال
فيجيبها حسنا لاجلك واعتدال
ويعود بعد قليل مبتسما ليهديها عصير البرتقال
ارهاف ترقد فى السرير عليلة
ماما تشاهدها فتنهمر الدموع
اماه لا تبكى عليّ ساموت ان تبكى عليّ
غدا ستنطفئ الشموع
ارهاف اكبر من مدارك طفلة
فاقت حصافتها الجموع
والام تمسح دمعها وتقول
هيا اضحكى حتى اكفكف ذى الدموع
عجبى لها
ارهاف رغم قساوة الوجع المؤجج فى الضلوع
ارهاف تختزن الدموع وتبتسم
ارهاف تختزن الدموع
ارهاف تختزن الدموع

ارهاف لم نفرح صباح العيد مثل الاخرين
ارهاف لم نذبح صباح العيد مثل الاخرين
هى سنه لله نقيمها على مر السنين
واليوم نتركها فداك حبيبتى
لا حلم لا حلوى لا فستان يا محبوبتى
لا شئ مما تشتهى ايمان او ما تشتهين
ابتاه يا ارهاف يعجز عن شراء البنسلين
اين الدراهم تفتديك حبيبتي
لتوفر الترياق للداء اللعين
والله نسأل ان يكلل سعينا
ويتم نعمته عليك وتضحكين
ارهاف مهجتنا فداك
شفاك رب العالمين
ارهاف جاء البنسلين
ارهاف نامل فى الشفاء
والكل يرفع الاكف للسماء
ارهاف ترتشف الدواء
لكنه مسخ يؤرقها وداء
غشـــــــــوا الدواء
غلفوا الاوهام بالاوراق باعوها الدواء
عجبى لهم
مافيا تتاجر فى حياة الاخرين
وتدعي صنع الدواء
قتلوك يا ارهاف اعداء الدواء
ارهاف تصرخ وتستغيث
ارهاف تجهش البكاء
تمزق الاكباد من هول النداء
فالله كان المستجيب حبيبتي
واختار قربك دوننا
طوبى لروحك فى السماء
ارهاف تلتهب الجراح
من التورم والرعاف
ارهاف انت صبورة
ارهاف مثلك لا يخاف
كانت بحق شجاعة
اقوى من السم الزعاف
السم يحصدها بكل قساوة
ويزفها للقبر فى زمن الجفاف
لكنها محبوبتى
زفت الى الرضوان فى ثوب الزفاف
ارهاف عفوا لغيابى عن مقامك
ليلة الحدث الحزين
ما كنت قربك يا فتاتى
لحظة الالم اللعين
الوحش يعصر جسمك المنهوك
وانت ترددين … اماه … يا اماه…
اماه ليتك تسمعين
والام قربك تستحيل الى شبح
قد اذهب الحدث العظيم ثباتها
اماه تؤمن باليقين
اماه يا ارهاف تؤمن باليقين
وانا كسارية الجبل الصوت اسمعه فيعصرنى الالم
لكنني مكتوف يا ارهاف من حبل متين
الصوت ملء مسامعي
ويجيب عفوا
انني ما غبت عنك تعمدا
لكنه قدرى يقترب من وراك كل حين
التف حولى مصطفى ورفاقه
كانوا وزين العابدين
فهو الملاك بطيبه وبعطفه بالحق زين العابدين
وسعوا ما فى وسعهم فلهم جزاء المحسنين
ارهاف ينفذ امر مولانا
فنرضى خاشعين
ارهاف لم ابخل بشئ
ومضت اشيائى الثمينة للدواء
ارهاف اثقلتني الديون قرضتها
املى اعجل للاميرة بالشفاء
اماه ضيعتها فداك جبيبتى
يا خير من يفدى ويجزل بالعطاء
ارهاف نطمع ان نراك طليقة
الحمد لله العظيم بما قضى ونرضى بالقضاء
والقلب يحزن درتى يهتز بالالم الدفين
والقول ما يرضى الاله والله يجزى الصابرين
والكل محزونون يا ارهاف
مفجوعون لكن مؤمنين
ارهاف يا احساس يا كل الطموح
يا نجم سعدى فى الحياة
ونشوة الامل الصبوح
سميت باسمك كل شئ
وما كنت لاكتم او ابوح
كنت البراق لمهجتى
يا صهوة الفرس الجموح
تربت يداك حبيبتى
وسلمت من الم الجروح
وهناك موعدنا النعيم حبيبتى
ما بين انهار واشجار وازهار
تظللنا وروح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق