الجمعة، 27 يوليو 2012

"رسالتان لأمي وأبي" للكاتبة السودانية "إيناس عدوي"


(1)
إلى أمي في ذكرى عيدها 
"الحنين إلى الدفء"

أمي في يوم عيدك كم أتمنى أن تكوني معي لا تفصلنا المسافات والحدود، أتمنى أن أرتمي في حضنك الدافئ لأشعر بالأمان لكي ترتوي نفسي العطشى، لكي أشعر بالحياة فالبعد عنك أمي خاصة في هذا اليوم هو أصعب من الإحتمال، أو تعلمين أني أكره الخروج في هذا اليوم حتى لا أرى الأبناء وهم يحملون الهدايا والزهور إلى أمهاتهم كي يحتفلون بهن ومعهن وأنا لا أستطيع أن أفعل ذلك لأن حدود اللا مدى تمنعنى من ذلك، أمي يا نبض الحياة يأتي العيد اليوم وأنت بعيدة مكانيا ولكنك هنا في قلبي تملأينه حبا وحنانا ودفئا ويكفيني أن أسمع صوتك لكي أشعر بأن الله قد أعطاني الكثير.

أمي كم أشتاق إليك، أشتاق أن أراك أن أضمك أن أقبل جبينك فكل حب وحنان العالم لا يماثل حبك وحنانك، فحب الأم هو حب مختلف هو بلسم وسلسبيل عذب يروي نفوسنا وأرواحنا، هو الدواء لجروح الروح وهو ما يفعل بنا الأعاجيب، أمي حبك وحنانك هو نهر ينبع من روحك وجسدك ليصب في أرواحنا وأجسادنا فيعطينا الحياة ويزرع في نفوسنا الأمل ويثمر في حياتنا نجاحا أنت مصدره وأساسه ولولاك ما كنا ولا كان النجاح، أنت من وضعت الأساس الذي قام عليه البناء، وكم من مرة حطمت إرادتنا العراقيل والمشاكل ورغبنا أن نكتفي بما حققنا في الحياة ولكنك كنت ترفضين وتثورين وتصرين على أن نكمل الطريق، كنت تخاطبيننا مرة بالحكمة ومرة بالصرامة فتعود لنا روح التحدي والإصرار ونمضي في دروب الحياة نلتمس مكانا نحفر فيه أسماءنا بجهدنا وكفاحنا وأنت من ورائنا تمنحيننا القوة تارة والأمل تارة أخرى، لم تعطينا الفرصة لكي نيأس أو نكل أو نمل فأنت دائما تشعرين بما نفعل أو نحس قبل أن نصرح به ولذلك تكتشفين أخطاءنا وضعفنا قبل أن يظهر للعيان.

أمي في عيدك أقولها بأعلي صوتي أنت أساس كل ما حققت ولولا دعمك ووقوفك إلى جواري لما تحركت من مكاني قيد أنملة، ولولا كل ذلك الحب والحنان لكنت اليوم بحال غير الحال.

أمي أهديك اليوم كل ما حققت وما سأحقق وأدعو الله أن يتغمدك بواسع رحمته وستظلين النور الذي ينير حياتي.

(2)
"أيها السامق فى قلبي"
   


أبي أيها السامق في قلبي رغم الغياب... يا روحا أحببتها وما كفاني فيها العشق... أبي يا نورا وهبني بعض ضوئه وبعضا من بركاته...

لا أكتب لك الآن لأبني عوالم من البلاغة والبيان... لا أستطيع في مقام الحزن عليك أن أفعل ذلك... فذكراك أكبر من الكلمات واللغة... كل اللغات على اتساعها تضيق بكلمة أبي... كل الحزن أقل من وقع فقدك وسطوة رحيلك... ليس رثاء متأخرا ما أكتبه الآن... ليس تمجيدا أو بحثا عن أمثالك... بل أكتب سعيا وراء التخلص من صيحات حنين لا تسأم من الفقد في دمي كلما خطرت في بالي... مرت شهور لم أبكيك فيها... الليلة بكيتك ملء عيني وقلبي... وكأنك غادرتني الليلة... فهل تسلل شبح النسيان لأروقة الذاكرة...؟!... هل عشش في ضفاف الجرح نبضه... وأورقت على غصن الفقد أوراقه...؟!... هل تجرؤ الذاكرة ألا تتذكرك...؟!... كنت أظن الإفتقاد أصعب في بدايته لأكتشف بأن ألمه وحرقته ووجعه تتصاعد وتتفاقم بمرور الوقت... إنه أشبه بجرح مفتوح مستعص على الشفاء... كم أفتقدك يا بعضا مني... في كل زاوية من حياتي ثمة صوتك... في كل ركن من عمري نبضك... وعلى ضفاف سنواتي شذاك... لا زلت لا أصدق كيف لحضورك الباهر أن يحكمه الغياب الأبدي...؟..!. لقد بت أعي يا والدي أن للحزن درجات ومراحل... وحزني عليك سيظل العمر بأكمله يشرب والأيام في مجري واحد... حزن مقيم يجاور قلبي... ينبض بنبضه... يتدفق في الشرايين متزامنا مع أنفاسي... حزني عليك يا أبي لا ينام... لا يهادن... لا يهدأ ولا يشيخ... كل ذكرياتي معك تأسرني وتقيدني بك... تجذبني مداراتك... تستبيحني... تعتقلني مثل لحظة هاربة من زمن الأوجاع... ذكراك يا أبي تتوغل في رسم شوقي كنهر جارف يغرقني... ذكراك مدينة حزن أشد الرحال إليها كل ليلة... أسكنها وأتجول في شوارعها... وأتقصى آثأر خطاك فيها... أنت يا والدي عوالم من الدفء... لا تعوضه شمس تحترق... لذا ما عدت أطيق كلمات الرثاء... ولم أعد أملك تعازي أقدمها في محراب اللغة... وهشاشة المعنى وأنا أقف على ذكراك... فأنت يا والدي أكبر من النسيان... وذكراك أقوى من الحياة ومن سيل اللحظات وفيض العمر الخاوي من حضورك... أبي سامحني يا ربيب روحي إذا أوجعتك برسالتي هذه... فأنا أحتاج عمرا آخر كي أبكيك... وسأظل عمري أبحث عن حزن يليق بك يا أبي...

يا لهذا الحزن الذي يغرس مخلبه عميقا في قلبي... هو الموت الذي يعرف كيف يختار فتصبح الخسائر لا تحتمل ويحق للقبر أن يهنأ فقد جاءه خير الرجال... لك من قلبي فى الذكرى السابعة لرحيلك الدعوات الطاهرة... بأن تحفك رحمة الله الواسعة... ويسكنك جنانه... ويجعل الفردوس الأعلى مثواك... آمين...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق