شيخٌ من الزنج أو شيخٌ من العربِ
سيان في حضرةِ الأحزانِ والطربِ
شيخٌ تلفَّع بالنيلين مُعتجرا
بشملةِ الدينِ والأخلاق والأدب
وأنه وطن تفديه مهجتنا
في حده الحدُّ بين الجد واللعب(1)
تطاول الليل وأنجابتْ حقيقتنا
وأشرقتْ غرَّةُ المهديِّ في لببِ
وكم شهيدٍ قضى نحبا بمعتركٍ
مضى سريعا على جسر من اللهب
قد تحمل النارُ أقواماً لجنتهم
وذاك أمرٌ عجيبٌ أيما عجبِ
شيخُ المساليتِ تاجُ الدين منصلتا
في حومة الحرب مثل المسبع الحرِب(2)
مضى علي الدرب لا يلوي علي أحدٍ
مقاتلا بنجيع الدمِّ والعصب
سقى (دورتي) ضريحَ الشيخ غادية
تسوقها الريح تمري حفل السُحُبِ
" وبالجنينة" بحر لا نظير له
بحرٌ من الفضل عالي القدر والرتب(3)
أولئك الناس من أرسوا ركائزنا
وجنبونا أذاة الكدِّ والتَّعبِ
(جمال ذي الأرض كانوا في الحياة وهم
بعد الممات جمال القول والكتب)(4)
ثم ابتلينا بقوم لا خلاق لهم
تعلقوا بحبال الزور والكذب
قد أشعلوا النار في أطراف دولتنا
لن تأكل النار سودانا من الذهب
كيف انتأيتَ عن النيلين منتبذا
ركنا من الغرب تبدي حال مغترب
كم بالرباط رباط الفتح من رجل
مهذب النفس عالي الفرع والحسب
أعني محمدَ من نافتْ أرومته
شيخَ الفواتيرِ ابن السادة النُجُبِ
هو الشريف إمام الشعر في زمني
صناجة الزنج بل صناجة العرب
وقد تمايلَ بالبندير يضربه
شيخٌ وقورٌ سريعُ الخير والعطب(5)
من يكتب الشعر تسري في مفاصله
خمرٌ من النور أو خمرٌ من العنب
جرى بها النيلُ في أزمان صبوته
نشوان يرقص في نهر من الحبب
مضى بها النيل مزهوا بخضرته
لما تحدر للعلياء من صبب
سرى بها الركب تحدوهم مزاهرها
يوقع اللحنَ رهزُ السيرِ والخببِ
من نار "كوش" أتانا ضوء جذوتها
لما أضاءت على طور من الحقب
شدت لترهاقا خيل الجيش جرَّده
لينقذَ الخيل في مصر من العطب(6)
كيف انتأيت عن النيلين منتحيا
جبالَ أطلسَ أقصى المغربِ العربي
مرابطا برباط الفتح تحرسه
كدأب قومك من داسوا على الشهب
مكانك الرفعُ في إعراب جملتنا
وأنت تقبعُ بين الفتح والحَجَبِ(7)
حاشا لمثلك أن تحصى فضائله
إني تطاولتُ لما ارتخى لببي(8)
والشيب أوغل في فوديَّ ينذرني
حتامَ تلعبُ والأيامُ في الطلب
مثل المعريِّ يبكي ضوء بارقه
لما أتته رعالُ الحب في رجب(9)
وموطني هامشُ امدرمان(10) منفردا
فظنَّ خيرا ولا تسألْ عن السبب
ثم الصلاةُ علي المختارِ جدكمو
روحِ الوجود كريمِ الأصلِ والنسب
الهوامش:
(1) عجز البيت لأبي تمام.
(2) المجاهد الكبير السلطان تاج الدين، سلطان دار المساليت وقد خلده الفيتوري بقصيدة رائعة.
(3) السلطان
بحر الدين بن تاج الدين من فضلاء رجال السودان ومن شيوخ الطريقة التجانية
أخذها من سيدي عبد الواحد النظيفي السوسي وسنده فيها من أعلي الأسانيد.
(4) البيت للمعري مع تحريف.
(5) البندير يشبه النوبةَ عندنا وفي البيت إشارة للشيخ عبد السلام الأسمر الفيتوري.
(6) يقال أن تهراقا غزا مصر دفاعا عن حقوق الخيل.
(7) هناك تورية في كلمة الفتح بين رباط الفتح وحركة الإعراب المعروفة والفتح عند المتصوفة.
(8) تقول العرب من ارتخي لببه ساء أدبه.
(9) إشارة لقول المعري: دعا رجب جيش الغرام فأقبلت رعال ترود الهم بعد رعال.
(10) وأما إشارة الدلال لموطنه بأنه "هامش ام درمان"، فلأنه يسكن في حي يسمى "القليعة"، وهو حيٌّ يقع إلى الجنوب الغربي من سوق ليبيا بغرب ام درمان، في بقعة نائية وقصية، تتقطّع دونها أكباد الحافلات والبكاسي، ولا يدري أحد على وجه الدقة إن كانت تتبع لمحلية الأمير " أم بدة " بولاية الخرطوم ، أم إلى محلية " جبرة الشيخ" بولاية شمال كردفان!!، أما القليعة نفسها، فهي عبارة عن حرّة جرانيتية سوداء، يتوسطها تل صخري، يشاهد من يرقى لقمته جبل العوينات، والله أعلم. (11) القصيدة أهداها الشاعر الشنقيطي إلى الشاعر السوداني الكبير محمد مفتاح الفيتوري. | |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق