الثلاثاء، 10 يوليو 2012

المتنبي يشهد على فصاحة اللهجة العربية السودانية

اللهجة السودانية في شعر المتنبي 

 بقلم: عبد المنعم عجب الفيا
    يمتليء شعر المتنبي بالكثير من الألفاظ التي تجدها في كلام أهل السودان.

       وقد رصدت أثناء مطالعاتي لديوانه عددا كبيرا من هذه الكلمات التي نستعملها في لغة الكلام ولا نستعملها في لغة الكتابة أو المخاطبات الرسمية ظنا أنها (عامية) وهذه بمثابة دعوة إلى (فك الأقواس) العامية عن هذه الكلمات. 
      ونحن نزعم أن تقسيم ألفاظ اللغة العربية إلى فصيح وعامي بالكيفية المحفوظة، ما هو إلا وهم كبير.
    يقول أهل السودان للمرض: عياء، وللمريض عيان.
     
     وقد ورد ذلك عند المتنبي في مطلع قصيدة يمدح فيها شجاع بن محمد الطائي:
    عزيز أسى من داؤه الحدق النجل
    عياء به مات المحبون من قبل

    قال المرصفاوي في شرح البيت: العياء: المرض.
    وقال أبو البقاء العكبري: "العياء: الداء الذي لا علاج له قد أعيا الأطباء".

    أما البرقوقي فكرر كلام أبي البقاء ولم يزد عليه.

    وجاء في لسان العرب لابن منظور: "داء عياء: لا يبرأ منه. 

    وحكي عن الليث، الداء العياء الذي لا دواء له ".

    والعياء أيضا في كلامنا التعب أي الإعياء. 

    تقول: عييت، إذا تعبت. 

    وفي ذلك يقول صاحب اللسان: "وحكى الأزهري عن الأصمعي: عي فلان بالأمر إذا عجز عنه.

     ويقال في المشي: أعييت وأنا عيي. 

    والإعياء: الكلال، قال: مشيت فاعييت، وأعيا الرجل في المشي، فهو عيي".

    وفي تهذيب اللغة للأزهري: "أعييت إعياء، قال: وتكلمت حتى عييت عيا".
    -2-
    شاكل يشاكل شكلة، ترد في كلام أهل السودان بمعنى اشتجر يتشاجر مشاجرة واشتجارا.
     
    وقد وردت عند المتنبي في هذا المعنى في قوله:
    أفي كل يوم تحت ضبني شويعر
    ضعيف يقاويني قصير يطاول

    لساني بنطقي صامت عنه عادل
    وقلبي بصمتي ضاحك منه هازل

    وأتعب من ناداك من لا تجيبه
    وأغيظ من عاداك من لا تشاكل

    ولكن شراح المتنبي فات عليهم إدراك المعنى (السوداني) الذي قصد إليه المتنبي من لفظ "تشاكل" واضطرهم ذلك إلى التصرف في مقصد الشاعر مسايرة لدلالة اللفظ عندهم.

    فأبو البقاء العكبري يقول في شرح البيت: "والمعنى، أتعب من عاداك: أتعب حاسديك بندائه لك من كنت مترفعا عن مجاوبته.

    وأغيظ أعدائك من لا يشاكلك، وأكرمهم إليك من كنت لا تماثله.

    أما عبد الرحمن البرقوقي فيحذو حذو العكبري النعل بالنعل، يقول: "أتعب مناد لك من ناداك فلم تجبه لأنك لا تشفيه بالجواب فيجهد في النداء، كما أن أغيظ الأعداء لك من عاداك وهو دونك لأنك تترفع عن معارضته فلا تشفي منه".

    أخذ كلا الشيخيين "تشاكل" بمعنى تماثل وتساوي، من المشاكلة وهي الموافقة والتطابق. 

    ولا يستقيم المعني إلا إذا قلت في شرح البيت: أتعب مناد لك من ناداك ولم ترد عليه، وأغيظ أعدائك من عاداك (شاكلك) ولم تعاديه (تشاكله) أي تخاصمه وتشتجر معه.

    وعندي أن تشاكل بالمعنى (السوداني) من أشكل الأمر، إذا التبس، فهو مشكل ومشكلة.

    ولكنا نحن نسقط الميم فتصير: شكلة

    وهذا كثير في كلامنا. 

    مسبحة تتحول عندنا إلى سبحة وهكذا لا نأبه لميم مفعلة نسقطها.

    لاحظت تسرب كلمة "خناقة " المصرية إلينا شيئا فشئيا حتى على مستوى بعض كتاب القصة.

    -3-
    نقول في كلامنا: لز، يلز أي دفع يدفع في زحام المواصلات كثيرا ما نسمع: يا أخي ما تلز من فضلك...!!

    قال المتنبي يصف إحدى غارات سيف الدولة على إحدى القبائل:
    فلزهم الطراد إلى قتال * أحد سلاحهم فيه الفرار
    مضوا متسابقي الأعضاء فيه * لأرؤسهم بارجلهم عثار

    جاء في شرح المرصفاوي للبيت: لزه: دفعه. 

    وجاء في شرح البرقوقي: لزه إلى الشيء: ألجأه إليه وأدناه منه.
     
    جاء في لسان العرب: "لز الشيء بالشيء يلزه لزا: ألزمه إياه.
     قال الليث: اللز، لزوم الشيء بالشيء بمنزلة لزاز البيت، وهي الخشبة يلز بها الباب".
    ونقول في كلامنا أيضا، لزق (بالكسر) بمعنى لصق أو ملاصق: البيت لزق البيت.

    يقول صاحب اللسان: "لزق الشيء بالشيء يلزق لزوقا: كلصق والتزق التزاقا، وألزقه، كألصقه. 

    وهذا لزق هذا، أي لصيقه، وقيل أي بجانبه"...!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق