وفق التنسيب العرب نوبي "وذلك بإضافة لفظة (آب) التي تعني جد أو آل إلى الإسم العربي".
الأديبة الأستاذة نائلة فزع
مويس
عروس النيل
تكشف عن مكنوناتها
وتطالب
بحسن البنوة
مويس قرية
هادئة وادعة حالمة تقبع في الضفة الشرقية للنيل العظيم الخالد، وتبعد عن مدينة
شندي حاضرة قبائل الجعليين مسافة سبعة كيلومترات إلى الجنوب، حيث يحدها من الشمال
قرية القليعة، ومن الجنوب قرية حوش بانقا، ومن الشرق خط السكة الحديدية وطريق
التحدي، ومن الغرب مدينة المتمة على الضفة الغربية لنهر النيل، وهي على هدوئها
ووداعتها وحالميتها قرية مفعمة جدا بالجمال، ومترعة بالأصالة إلى أبعد الحدود، حيث
تضرب جذورها وبشدة في عمق التاريخ الإنساني، إذ تزامن وجودها ووجود الإنسان على
أرضها مع حضارات متعددة لها وزنها وثقلها سواء في التاريخ المحلي أو الإقليمي أو
العالمي، وهذا ما اكتشفه مجموعة من علماء الآثار في دراساتهم العلمية والتاريخية
المحكمة، حيث ارتبطت حركة الحياة التاريخية فيها بحركة الحياة في كل من النقعة
والمصورات والبجراوية وغيرها، وإن كانت سابقة لكل تلك الحضارات في كثير من الآراء،
ومويس قرية خجولة يسربلها الحياء كسكانها المستكينين في تواضع ودعة، وهاتان
الصفتان كثيرا ما يكونان غير حميدتين في كثير من الأحيان رغم أنهما من شيم الملوك
ومن سجايا الأمراء، وقد ظلت مويس محتفظة بين جنباتها بالعديد من الأسرار العظيمة الشامخة،
وبالتالي فقد تأخرت يد الحفريات عن التنقيب عن آثارها ردحا من الزمن، إلى جاءت
الفرصة في عهد قريب، فكأنها قد اختارت زماناً يتناسب مع عظمتها المكانية
والتاريخية لكي تبرز ما تحتويه قلاعها وحصونها من كنوز ومن مكنونات، فأصبحت تشغل
علماء الآثار بعد أن ظنوا أنهم لم ولن يستطيعوا الإتيان بجديد حولها، إذن فهي
فاتنة بألف طعم ولون، ورائحتها معتقة بعبق التاريخ وأريج أزهار المانجو والبرتقال
واليوسفي وتطغى عليها رائحة الحناء النفاذة التي تعطر أجواءها، وتساعد سكانها الصابرين
الذين يحترفون الزراعة من سالف الأزمان.
والآن فإن
مويس وفي هذه الأيام تختال مزهوة على بساط من الخضرة وتستعد لكرنفالات فرحها
القادم، فهي كما يمكن القول تنتظر لحظة بلوغ أبنائها درجة من الوعي والإستنارة
تمكنهم من التحدث عنها بكل شمم وكبرياء، فيالها من أم رؤوم عانت بكل مرارة من
بعدهم عنها وأرخت حبال الصبر عسى أن يعودوها في يوم من الأيام، بعد أن اشتد عودهم
ومضى عزمهم، فأرضهم مويس جنة من جنان الله على الأرض، حباها عز وجل بطبعية ساحرة خلابة
زادها إنسانها الخلوق، المبدع، التقي جمالاً وبهاء وألقاً وهو يشع بالقيم والمناقب
التي توارثها عن أجداده كابراً عن كابر، ولذا سوف تبقى في ذاكرة التاريخ والأجيال
ملهمة لكل ضرب من ضروب الفن ومشارب الجمال، ففيها الميلاد، وإليها المآب، وبالجسم
من الشوق إليها ما يعصف بالروح، وربما يوارى هذا الجسد تحت ثراها في يوم من الأيام.
ومن الجدير
بالذكر أن قرية مويس تضم خطا مرموقاً للسكة الحديدية على مرمى رمح من نهر النيل،
كما يقطن فيها خليط من القبائل والأعراق المتعددة، وقد توسعت بفضل مجموعة من
الهجرات المستمرة لتصبح أكثر القرى الواقعة جنوبي شندي تعداداً من الناحية
السكانية، وذلك لأن إنسانها المسالم المتواضع لم يعترض على أي وافد، فإن صدرها الرحب
وقلبها الودود لم يلفظ أي طالب للمأوى خصوصاً من قبيلتي الرشايدة والحسانية،
وهؤلاء قد استقر بهم المقام في أرضها المعطاء في العقدين الأخيرين، وأصبحت لهم
فرقان وخدمات تنبئ عن استقرار دائم بين ظهرانيها.
وسكانها
الأصليون من الجعليين والشوايقة كانوا يسكنون فيما يعرف بالحوارة التي كان لها
وجود قبل فيضان عام 1946م، وقد أجبرهم الفيضان إلى النزوح حيث هم الآن في حدودها
الحالية، وتتمثل الأسر العريقة التي تسكن مويس في الفزعاب، الناصراب، آل البدري،
الفدوساب، الدماماب، الديغماب، الكنوز وحي الديم العريق، وهم في أغلبهم أناس
يتطهرون بكرة وعشية، تمسحهم المسحة الدينية،
ويدثرهم الدثار الروحي، وفيها تؤدي النساء كل الصلوات في المسجد صائمات، قانتات، راكعات
وساجدات، ويقطعن وقتا طويلا في طلب العلم تماماً كما يسعين في طلب الرزق، حيث لم
تلههن الدنيا ومشاغلها عن الدين.
ويقول كبار
السن من أهالي مويس أنها سميت هكذا على اسم مملكة مسيحية قديمة كانت تحكم المنطقة
وتمتد من قرى شمال الخرطوم وحتى حدود الدامر، ولا تزال آثار هذه المملكة موجودة
إلى اليوم، وتتبع لمشروع قندتو الزراعي،
وقد عانت من الجفاف عهداً ليس بالقصير.
وقبل شهر تقريباً بدأت تدب في القرية حركة
صبية يتسارعون صوب القلعة الأثرية باكراً وعند سؤالهم أجابوا بأن علماء آثار طلبوا
منهم العمل معهم نظير مقابل مادي حيث يتقاضى البعض منهم حوالي الثمانين جنيها خلال
الأسبوع، ومن ثم فقد بدأ الفضول يطرح عدة
أسئلة فكانت الإفادة بأنهم وبعد عمل
متواصل مستخدمين فرش رقيقة وناعمة أسفر التنقيب عن هيكل عظمي لشخص طويل جداً وما
كان من علماء التنقيب إلا أن وضعوه في صندوق وحملوه معهم بالطبع لتحديد الفترة
الزمنية التي عاش فيها هذا الإنسان، وبعض الأمور الفنية الأخرى.
وقد ذكر أيضاً أن علماء الآثار وجدوا فرناً
كبيراً لصناعة أدوات الحديد بكامل معداته، وفي هذا تأكيد بأن هذه المنطقة تابعة
للحضارة المروية الشهيرة.
وكثيرا ما كان
المارة يجدون مجموعة من الركائز على هيئة طيور مصنوعة من الذهب الخالص، وعليه فإن
هذا الحدث يبهج الروح، ويثلج الصدر إلى أبعد الحدود، فقد أخذ العمل طابع الجدية
وقام العلماء بتغطية حفرياتهم بمخازن بلاستيكية ووضعوا جوالات من فوقها حفاظاً
عليها من المتطفلين، كما بنوا سوراً من الطين يحدد فاصلاً بينها وبين المزارع
المحيطة.
ومن هنا نناشد
وزارة الآثار والسياحة والجيولوجيا بأن تتواصل بعثات الحفر والتنقيب ولا تنقطع مثل
ما كان يحدث في أزمان مضت حتى تلبس مويس ثوباً قشيباً مطرزاً بمعادن قلعتها
التاريخية التي حفظت السر لحقب وقرون.
وكما ذُكر في بداية هذا
المقال إن التواضع يكون صفة مذمومة في بعض الأحيان، تماما مثل البعد عن الأضواء
وعن الشحصيات التي بيدها القرار والذي قد يجعل من هو جدير بالثقة والريادة في
مؤخرة الصفوف التي تتزاحم وتطالب بحقها المشروع في الخدمات التي هي من حق كل مواطن
- ولا يضيع حق وراءه مطالب - فيرجى أن تنصهر كل هذه المجموعات في بوتقة حب مويس،
آخذين في الإعتبار ما سيؤول إليه الحال في المستقبل القريب، عندما تطول يد التطور
والعمران كل من هم حولها وأبناؤها سكوت ينتظرون من يحركهم، والواقع يخبر أن هناك
صناديداً من الرجال والنساء قد سخروا حياتهم للعمل الطوعي وخدمة بلدهم بكل تجرد،
ولكن عليهم التحرك ومن الآن في كل الأصعدة والإتجاهات وارتياد المستحيل حتى يضمنوا
لأبنائهم المدارس الثانوية بدل أن يمضوا نصف اليوم داخل وسائل المواصلات، ومن هنا
تجدد الدعوة لكل رجال المال والأعمال والمحسنين والمبدعين من الفنانين وغيرهم من
أبناء المنطقة، لإحياء أمسية تسمى بأمسية حُسن البنوة يكون عائدها لصالح مويس، ولا
يحسب بأن أحداً سيبخل بعمل أسواق خيرية يعود ريعها جميعاً لصالح الصندوق الخيري
ودعم المشاريع التي تحتاجها القرية الصابرة وما أكثر ما تحتاجه، كما يرافق هذه
الأمسية قافلة طبية ضخمة، وقد أبدى مجموعة من الأطباء والإختصاصيين رغبتهم في
الحضور للكشف وتقديم العلاج والنصيحة لأهالي المنطقة وأبنائها الموعودين بالخير
الوفير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق