الخميس، 28 يونيو 2012

مجدي الحاج - رؤية نقدية لرواية "الموت في زاوية العشق" للكاتبة السودانية الأستاذة "نائلة فزع"

إحدى اللقاءات الصحفية مع الأديبة السودانية نائلة فزع

مدخل:

   إن القاريء لهذه الرواية، يستغرقه الوقوف المستبصر في محطاتها المترفة بالكثير من الدهشة والصدق والإندفاع، ما بين انفعالاتٍ من الشجو الشفيف، مخزونةٍ في حيز استثنائي ومستقطع من اللاوعي ووحي المفردات، وما بين تصريح غائب في آفاق مستشرفة من تهويمة العشق الأبدي، حيث يكون الحلم هو الملهاة الوحيدة في عصر تمر جميع الفصول في كل يوم من أيامه المسروقة والرتيبة على الإنسان الكادح، ذلك الكائن المغرور الذي ينفعل ويتفاعل بكل ما فيه مع حيثيات واقعه المعاش.

   فرواية "الموت في زاوية العشق" حيِّزٌ من الحيوات الممهورة بتجربة أنثوية واعية، تقفز فوق أسوار الحداثة، وتتحرَّر من قوانين السرد، وتختزل معايير التخييل، في بنية بسيطة من تداعيات الإبداع ومن إبداع التداعيات، صاغتها إنسانة مفعمةٌ جدًّا بالعديد من التجارب والخبرات التراكمية على مر الأعوام، حيث تجلت قدرتها على تشكيل النص بروعة وانسياب ومصداقية، طبعتها بها سودانيتها الأصيلة حتى النخاع، وبالتالي فقد استطاعت أن تجرد الأطر العامة في شفقها الروائي، لبعض القضايا المفصلية التي شغلت وما زالت تشغل البيئة المحلية، وتستهلك من آدميتها الكثير في ظل غياب الزنبرك الضابط لحركات حياة ملؤها التخلخل الواضح، والإحساس بالضياع، والنبرة المشحونة بالحزن والتشاؤم المقيت، ومن ثمَّ استطاعت الكاتبة أيضاً نقل مصداقيتها الرَّنانة بعفوية مطلقة إلى الحروف والكلمات التي تنسجم بتؤدة واختيال مع أطياف شخوصها الحائرين، فالحيرة سمة بارزة تتوحد فيها جميع محطات الرواية المتنقلة بين جدلية الإفتراض، وصراع المتناقضات، وأزمة المثالية المرغوبة في تشكيل المثل وتزويق المعطيات.

   وباختصار مفرطٍ في العفوية، نجحت الكاتبة إلى حدٍّ كبير، في تجسيد أسطورتها المثالية، وخرافتها الكمالية، على لسان الراوي "عثمان"، الذي ظلَّ يتوق بترقبٍ وشغفٍ شديدين، لانعكاسات الحلم المستحدث الذي داعبته خصلاته الرقيقة في عيون البطلة المتشحة بالسواد "نعمات"، والتي ظلَّت بدورها تدافع باستماتةٍ غريبة تفوق الإحتمال والتصوَّر، عن حبها المكلف لـ"يوسف"، حتى تبعد حبل الحيرة البليدة، والخواء الأجوف، والعذاب الصارخ من حول عنقها الغض كزهرة لوتس مائية، فهي ترفض أن تستسلم لمصيرها المحتوم استسلام الضعفاء والمنخذلين، وظلَّت في كل محاولاتها الفيَّاضة بالإنسانية والصبر والعطاء، التي تعلمتها من "مصطفى"، تبحث عن معنى جديد للحياة، ينبض بالحب والصدق والبراءة، تلك الحقائق العطرة التي افتقدتها في طليقها المهووس "عمر"، لكنها أدركت بعد كثير من اللأي والمعاناة، والشد والجذب، أن الحل يكمن في قرار صائب، ورؤية سليمة، يعرَّيان كل حقيقة مبهمة، ويلزمان كل نقطة حيوية بالرجوع إلى مكانها المفترض فوق حرفها الأعجم، لأن ذلك أساسي جدًّا في معادلة الإتزان المهترئة، وفي واقع الصيرورة المشهود.

   فكانت النهاية الغير متوقعة للرواية، محملة بكل ما في التجربة من صدق وعنفوان وحيرة، ومضيئة في عيني كل من "رامي" و"ندى"، الطفلين البريئين، بوهج الحقيقة المضطرب في زمن الظلم والظلام، الذي دفعت ضريبته الغالية جدًّا "سلوى"، لينكشف كل شيء في رحلة وجدانية، صيغت من وهم يدعى الحب، في حفنة مستحقرة من رماد، جسدت "الموت في زاوية العشق".

مخرج:

   وفي الختام لا يسعني إلا أن أتقدم بخالص الشكر، وجزيل العرفان لتلك المرأة الأمة التي تعلمت على يديها أروع القيم وأجمل الأخلاق، ورضعت منها حب الأدب على أصوله، إذ طالما علمتني أن الأديب المؤمن هو أصدق الأحياء قاطبة وأقدرهم على التصوير والتجسيد والتمثيل، فهو يبث في أدبياته روحا من قوة إيمانه وعنفوان يقينه، ويزينها بروعة أخلاقه ودماثتها، ولا أبالغ إذا قلت إن الأدب والإيمان مترادفان بشرط واحد، وهو البحث بشغف وعنفوان عن عين الحقيقة وعن عين اليقين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق