مدخل:
تحية
حب واحترام وتقدير للشاعرة الأستاذة روضة الحاج، التي استطاعت وبجدارة أن
تثبت بصمتها في واقعنا الشعري العربي المعاصر، فهي شاعرة معروفة وذات قيمة
كما تحدث عنها الشاعر الكبير الأستاذ محمد مفتاح الفيتوري، والذي أثنى على
شخصيتها وعلى شعرها، وقال إنه يثق تمامًا في أنها سوف تلعب دورًا أساسيًا
ومهمًا في حياة شعر هذه المرحلة، وأظنه يريد مرحلة التردي والخنوع التي
تعايشها الأمة على كافة الأصعدة، وهو ما استطاعت أن تعبر عنه هذه الشاعرة
بذكاء وشفافية في أكثر من قصيدة من قصائدها الملهمة، يمكن أن يتلمس من
خلالها معالم طابعها الشعري المتميز، المقرون بغنائية صافية أصبحت مفقودة
في جل شعر هذه الأيام، وهو ما ذكره الروائي عبدالرحمن الربيعي عندما تحدث
عن الشاعرة في جريدة الزمان اللندنية.
وقد
لعبت الأقدار دورًا مهمًا في تكوين شخصيتها الفذة، فهي من أسرة محافظة
تدرك جيدًا ما للمرأة من قيمة، فنالت بذلك حظا وافرًا من التعليم والثقافة
والإطلاع، مما أهلها لحمل لواء بلدها السودان عاليًا، وحمل لواء الفكر
السوداني والمرأة السودانية بكثير من الصدق والثقة والروعة، وهو ما ظهر
جليًا في مشاركاتها الخارجية، حيث شاركت في عدد من المهرجانات الشعرية في
كل من بغداد، أبوظبي، دمشق، بيروت، مسقط، عمّان، الشارقة، الدوحة، القاهرة،
الكويت، صنعاء، طرابلس، باريس وغيرها، وهو ما توجته أيضًا بفوزها بالجائزة
الأولى في أندية الفتيات بالشارقة لإبداعات المرأة العربية في الشعر عام
2000م، وجائزة الشهيد الزبير محمد صالح للإبداع والتميز العلمي عن فئة
الشباب عام 2004م، وهي أرفع جائزة تقدمها الدولة السودانية في هذا المجال،
وهنا يحضر الجميع فوزها المبهر في مسابقة برنامج أمير الشعراء الذي ترعاه
هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، حيث أحرزت لقب أميرة الشعراء محرزة المركز
الرابع في النسخة الأولى منه عام 2007م، وفيه لقبت بشاعرة النيلين، علما
بأنه الأنثى الوحيدة التي ترقت إلى تصفياته وإلى تاريخ كتاية هذا المقال.
ولا
ننسى مشاركتها المقدرة في التجهيز لمهرجان البجراوية السوداني لإبداعات
المرأة العربية، وهو مهرجان شعري حاشد، يضاهي في فكرته أكبر المهرجانات
الشعرية العربية المعروفة، إلا أنه متخصص في الشعر النسائي، هذا مع العلم
أنها راعية للعديد من المنتديات الشعرية الشبابية ولها جائزة لأجمل قصيدة
في بعضها، كان أحدثها إعداد وتقديم برنامج سحر القوافي في التلفزيون القومي
السوداني، وهو متخصص في اكتشاف المواهب الشعرية الجديدة، وقبل كل شيء فهي
مذيعة ناجحة في الإذاعة والتلفزيون السودانيين، وقد اشتهر لها برنامج
"قناديل"، والذي يعد خير دليل على سعة أفقها واهتمامها بقضايا الشعر
والشعراء، والذي استضافت فيه أرقامًا شعرية ليست بالصغيرة في محيطها
السوداني والعربي، وبهذا نستطيع أن نصف هذه الشاعرة بأنها شاعرة إنسانة
مفعمة بقضايا سودانيتها وعروبتها الأصيلة حتى النخاع، وهي تعي تمامًا أن
الشعر رسالة مقدسة لها كبير الأثر في استنهاض همم الأمة حتى تخرج من هاوية
التردي والتقهقر السحيقة التي سقطت فيها، وللقاريء أن يتخيل ما ترمي إليه
في قصيدتها الرائعة جدًا والمعنونة بـ:"برقية عاجلة إلى تماضر الخنساء"، في
مجموعتها الشعرية محل الحديث "للحلم جناح واحد"، حينما تقول في أحد
مقاطعها المطبوعة :
أسفي على كل العبارات الخواء...
أسفي على طفل يتمتم قبل أن يمضي ويستجدي أيا أمي الدواء...
أسفي على امرأة يضيع صراخها...
بين ابتسامات الخنوع وبين صالات الفنادق واللقاءات الرياء...
أسفي على الأسياف يقتلها الصدأ...
أسفي على الخيل المطهمّة الأصيلة حمحمت تشكو وتشتاق القنا...
لكنهم خنساء ما كانوا هنا...
ذهبت "قريش" لمهرجان للغناء...
و"بنو تميم" سافروا لـلسين لا يأتون إلا في الشتاء...
ولعلهم قد أبرقوا...
أعني "بنو ذبيان" أن زعيمهم خسر المضارب في الرهان وأنهم سيراهنون على النساء...
أما
شعرها فهو شعر يفاجئ، وذلك شيء عزيز وغال ومطلوب، لا يجتر ولا يعيد ولا
يستسلم للقوالب الجاهزة، وقد يتمرد على غير كل ذي قداسة في دنيا الشعر، وقد
يند عنه عصيان جميل لمنع تجاوزات الضبط الإيقاعي وقيود الوزن، ولكنه سياق
جديد، ومغامرة جديدة، تخوضها شاعرة تعرف كيف تسيطر على أمور إبداعها في
مواقيتها كما تحدث عنه الشاعر الكبير الأستاذ مصطفى سند في مقدمة مجموعتها
الشعرية الثالثة "مدن المنافي"، والتي صدرت عام 2001م.
وقد
بلغ من قمة تأثيرها الشعري أن ترجمت بعض قصائدها إلى اللغتين الإنجليزية
والفرنسية، وقد وصف بعض النقاد قصيدة روضة الحاج بأنها قصيدة تضج بالرموز،
وإن كانت رموزًا واضحة لا تحتاج لمفسر استقتها من ثقافتها الدينية البحتة
في أكثر من مشهد من مشاهدها الرائعة، واستوحت بعضها الآخر من أعلام الشعر
العربي في مختلف مراحله، بطريقة ذكية وجذابة، وعلى كل فلهذه الشاعرة
أسلوبها المتميز في الكتابة وفي الإلقاء، ولها أن ترتقي في مدارج الكمال
الشعري وغير الشعري، ما شاء الله لها أن ترتقي:
كمالي إنني اقترفت يداي خطيئة النقصان...
وإني جئت ثانية...
أدق عليك باب الحب والغفران...
فهل تغفر؟...
على كل أنا أهواك حد الموت صادقة وواثقة
وما في جبتي إلا الهوى والصدق والإيمان...
مخرج:
إن
الشاعر المؤمن هو أصدق الشعراء وأقدرهم على التصوير والتجسيد والتمثيل،
فهو يبث في قصيدته روحًا من قوة إيمانه، ويزينها بروعة أخلاقه ودماثتها،
ولا نبالغ إذا قلنا إن الشعر والإيمان مترادفان بشرط واحد، وهو البحث بشغف
وعنفوان عن عين الحقيقة وعن عين اليقين:
هذا قميص هواك قدّ الآن من قبل
ومن دبر ومن كل اتجاه...
سجن العذاب أحب لي...
يا صاحبيّ من الحياه...
إن كان من وهب الحياة بريقها...
قد عاد يطفيء ما توهج من سناه...
وأنا التي ناديته...
(علمتني النجوى وترتيل القصائد والصلاه)...
نص إضافي:
بحق تشبث الصور التي عبرت ذواكرنا...
بحق تهلل الطرق التي سهرت تسامرنا...
بحق الشعر والكلمات والنجوى...
غيوما في دفاترنا...
بحق أثيرنا السريّ ضحّاكًا...
يفتح صدره أفقًا...
ليطوينا وينشرنا...
بحق جميل ماضينا...
بحق ربيع حاضرنا...
ترفق إذ تعاتبني...
يا لها من قراءة....وقارئ يتغلل الشعر بين جوانحه.ويا لها من شاعره يطاطئ الشعر وينكس هامات القصيد تأدبا..لقد أوفيتها حقها من الثناء..تمتعنا بقراءة الدكتور مجدي..وشربنا من بحور شعرها عذب الشراب..دمتم... شاعرة وقارئ
ردحذفلك مني كل الود والتحايا العذاب أختي الأديبة فايزة الحسين... وجودك هنا يمنحني الكثير من الثقة والتفاؤل... وأحمد الله عز وجل حمدا كثيرا
ردحذفطيبا مباركا فيه على أن راقتك كلماتي... دومي باطمئنان ومحبة حفظك الله..