الأربعاء، 26 أغسطس 2020

الشاعرة تريتر: تتفوق على نفسها في ابتكاراتها الشعرية - مجدي الحاج




الشاعرة تريتر: تتفوق على نفسها في ابتكاراتها الشعرية
.
.
أشعل معي الأنهار
موسم نايِها قد لا يجيءُ
فكن لها الأغياثَا
.
الملحُ
يعرفُ لهفةَ الماء اللَّذي .....
مُدنًا تؤدِّب في الحنين لُهَاثَا
.
الحزنُ
يشربنا انتظارًا عاجزًا
لتصومَ أوقاتُ اللِّقاءِ ثَلاثَا
.
لا أعرف اللَّونَ (الرَّمادَ)
فلا تكن صوت الرَّمادِ
ودع ليَ الْمِحْرَاثَا
.
أنضجتني
حتَّى اكْتَملْتُ قَصِيدَةً
هل أشتهي عندَ الحصادِ بُغاثَا
.
كفَّاكَ مقبرةُ الورودِ
قيامتي اقتلعتكَ
من خلف النَّدى أجداثَا
.
أنا لن أموتَ
ولن أريكَ خزائِنِي
حتى تقسِّمَ لهفتي ميراثَا
.
خيَّالة قلبت على مِضْمارِهَا
خيَّالَها
وتعطَّرت أحداثَا
.
إترك ليَ الأحلامَ
كمْ أنزلتها
ولتنزلنَّ وإن أتت أضغاثَا
.
إن ما يميز النسق التعبيري عند الشاعرة: (إبتهال تريتر) وفق تقديري الخاص هو صعوبة التغلغل في تفاصيله، والوصول إلى محتواه إلا على النخبة الأدبية، القادرة فعليا على تتبع جمالياتها الكتابية بروح محبة وعقل متفتح، وهذا الأمر لا يقدح في قابلية وصول هذه الكتابات إلى المتلقين بشكل عام، ولكنها فعليا تحتاج إلى (مخمخة) تدبرية، و(سلطنة) عقلية ووجدانية ليست متاحة عند كثير من محبي الشعر، وهو أمر يجعل الشاعرة في خانة خاصة ومميزة لا يزاحمها فيها غيرها من المعاصرين لها شعريا.
.
وحول قراءتي المتواضعة لنص الشاعرة أعلاه في نسق آخر فإنني أستطيع القول: إن القافية (الثائية) في القصائد العربية دائما ما تتصاحب مع روح العرامة الشعرية المهيبة، وعنفوان الرصانة وتوهجها، ونادرا ما تأتي معبرة عن معانٍ رقيقة الحاشية وحميمية الإيحاء، كما هو حاصل أمامنا في هذا النص الشعري المتفرد، الذي يمكننا اعتباره معزوفة شعرية نادرة تفوقت فيها الشاعرة (ابتهال تريتر) على نفسها وهي تبتكر تعابيرها فيه، وتستحدثها من نبع مخيلتها الخصبة بصورة تجديدية أنيقة.
.
وقد تحكمت الشاعرة تريتر منذ البداية بمكنونات لغتها الشعرية، حينما جمعت كلمة (غيث) بلفظة (أغياث)، ولم تستعمل لفظ (غيوث) رغم إمكانية ذلك وفقا لقاعدة جمع التكسير المعروفة، ولعلها روح الضرورة الشعرية التي جعلتها تختار أبعاد هذه القافية الجزلة وموسيقاها النابضة هكذا: (آثا).
.
وقد ابتدرت رحلتها الخيالية في هذا النص المتوهج بطلبها ممن تتحدث إليه إشعال الأنهار معها (أشعل معي الأنهار)، وإشعال الأنهار أمر مثير في حد ذاته سواءا واقعيا أو مجازيا، معللة هذا الطلب باحتمالية عدم مجيء موسم (ناي) الأنهار، وبالتالي خوفها من جفاف ألحانها المفترض، لذلك طلبت ممن تخاطبه أن يكون (أغياثا) تمد الأنهار بالماء وباللحون وبالمحبة:
أشعل معي الأنهار
موسم نايها قد لا يجيءُ
فكن لها الأغياثَا 
.
ثم تستطرد قائلة: إن (الملح) يعرف (لهفة الماء) تماما كما تعرف (المدن) الحنين، وتؤدب فيه (اللهاث) المتمرد، والحقيقة أن تعبير تأديب المدن للهاث الحنين تعبير مبتكر ومتوهج، يثير حفيظة الخيال التأملية عند القارئ، ويستفز المتلقي خصوصا عندما تركت له الشاعرة فرصة تحديد ما يفعله الماء في الشطر الأول من البيت بفراغ ممتد وجدانيا، وذلك عندما قالت:
الملحُ
يعرفُ لهفةَ الماء اللَّذي .....
مُدنًا تؤدِّب في الحنين لُهَاثَا
.
ثم جعلت من نفسها في الشطر الأول من البيت التالي عصارة من الإنتظار العاجز حتى يشربها الحزن، والإنتظار في حقيقته هو انتظار عاجز دائما، ولكنها اختارت أن تقر بهذا الأمر شعريا، لعل انتظارها ينال بعضا من القدرة، أو يحظى بشيء من القوة في مواجهة أحزانها المتصلة، من قبل أن تحنث أوقات لقائها بقسمها وتصوم ثلاثا تكفيرا عن هذا الحنث، وهو تعبير استقته من ثقافتها الدينية البحتة، عند استلهام كفارة الحنث باليمين كما هو معروف، لكنها تركت الباب مواربا لتحديد طبيعة الصيام التكفيري في حالة أوقات لقائها الحانثة بقسمها:
الحزنُ
يشربنا انتظارًا عاجزًا
لتصومَ أوقاتُ اللِّقاءِ ثَلاثَا 
.
وفي البيت التالي تصر الشاعرة على إخبارنا جميعا بطبيعتها الغير محايدة، والغير مجاملة أو متلونة حينما تصرخ بأعلى صوتها قائلة: (لا أعرف اللون الرماد)، وتطالب من تحاوره في أبياتها هذه بأن يكون مثلها، وينأى بنفسه عن المداهنة والتلون في قولها: (فلا تكن صوت الرماد)، فهي شاعرة (دُغْرية) وتجيد التعامل مع كيمياء اللغة بشكل جيد، وقد اختارت ذكر لون الرماد وصوته للتعبير عن فكرتها لقربها من المفهوم السائد في تراثياتنا الإجتماعية، والحديث يقودنا إلى البحث عن رائحة الرماد، حتى تكتمل معادلته الكيميائية في مخيلة جوارحنا:
لا أعرف اللَّونَ (الرَّمادَ)
فلا تكن صوت الرَّمادِ
ودع ليَ الْمِحْرَاثَا
.
ولعلها تستفز محاورها حتى يظهر ما يبطنه تجاهها من عواطف لا تقبل الحياد فيها، فهو إما يكون معها أو لا يكون، وقد طلبت منه بعد ذلك أن يترك لها المحراث، في نقلة مباشرة إلى بيئتها الطبيعية التي نشأت فيها، فهي بنت (الجزيرة) الخضراء، وربيبة (الحَوَّاشات) والحقول، و(التُرع) وقنوات الري وجداوله المتعددة، وهي تريد من صورتها الشعرية هذه إيقاظ ذاكرتها الطفولية الوادعة ومشاركتنا الإحساس بما تحتويه من جماليات ودفء، و(المحراث) أداة توحي بالقوة والعزيمة والمجهود والمثابرة واتخاذ الأسباب واختيار أفضلها في صناعة الحياة، ومن قوة إيحائاته المتعددة هذه نجد الشاعرة قد اختارته أحد الرموز الشعرية في نصها المتدفق كتدفق مياه (النيل الأزرق) في (مشروع الجزيرة).
.
ثم تستطرد شاعرتنا صناعتها للمشهد الشعري وهي لا تزال تستلهم إيحاءات بيئتها الزراعية المحضة، حين تقول لمن تخاطبه في نصها هذا: (أنضجتني)، وهنا نلاحظ بوضوح استعارتها لنضج الثمار كحقيقة بيولوجية، وإحالة هذا النضج مجازيا لعواطفها وأحاسيسها الوجدانية، فالأنثى دائما ما تجسد الأرض البكر في مخيلتنا، تلك الأرض التي تحتاج لمن يسقي بذرتها ويهتم بها حتى تؤتي أكلها وثمارها، والحقيقة أن نتيجة إنضاجها المجازية هنا قد جعلتها تتمرحل جماليا حتى اكتملت قصيدة شعرية شهية وفواحة: 
حتَّى اكْتَملْتُ قَصِيدَةً
هل أشتهي عندَ الحصادِ بُغاثَا
.
وهنا تحديدا أستطيع أن أرى فزاعة الغريزة عند الشاعرة تنتصب قائمة في حقل روحها كـ (الهمبول) الكبير وهو يطرد (بغاث الطير) عن محصولها الوجداني، و(الهمبول) مجسم على هيئة إنسان (فزاعة) في ثقافة المزارعين السودانيين يصنع من مواد بسيطة، مهمته هي إخافة الطيور التي تتجنى على محصول المزارعين وتفسده قبل وصوله لمرحلة النضج وموسم الحصاد.
.
وبعد مشهد من أجمل مشاهد الحياة والخصوبة والتجدد، تلتفت الشاعرة إلى مشهد مناقض تماما وهو مشهد المقبرة والأجداث والقيامة في البيت الذي تقول فيه:
كفَّاكَ مقبرةُ الورودِ
قيامتي اقتلعتكَ
من خلف النَّدى أجداثَا 
.
وفي تقديري ورغم قساوة التصوير الشاعري في هذا المشهد، وقتامة إيحاءاته وسوداويتها إلا أنه ضروري جدا بالنسبة للشاعرة لأنها تريد تصوير مقدار القسوة والتجني النابعة من طريقة معاملة من تحاوره لها، وعدم اكتراثه بها أو بمشاعرها بصورة أو بأخرى، فقد جعلت من كفيه مقبرة للورود، وهو تعبير مشحون بالمواجع ومملوء بالقسوة إلى أبعد حد، ثم انتقلت الشاعرة لتعلن أن قيامتها الداخلية قد اقتلعت محاورها من كف الندى كأنه مجموعة من الأجداث، والفارق اللغوي بين المقبرة وهي محل القبور وبين الأجداث فارق تحدده الروح البلاغية في القرآن الكريم، فقد وردت لفظة المقابر وهي جمع مقبرة في الآية الثانية من سورة التكاثر: (حتى إذا زرتم المقابر)، أما (القبور) فقد ورد ذكرها في القرآن الكريم خمس مرات من أرادها وجدها، ويلاحظ أنها جميعا تحمل معنى واحدا للقبور، وهو الأماكن التي دفن فيها الموتى، وسواء تحدثت الآيات عن أن الله تعالى سيبعثهم يوم القيامة أو تحدثت عن بعثرة القبور يوم القيامة أو تحدثت عن أن سكان القبور لا يسمعون لأنهم موتى، فإن المعنى الثابت للقبور يظل هو المكان الذي دفن فيه الموتى، أما الأجداث فقد ذكرت ثلاث مرات في القرآن الكريم، وذلك في:
- (ونفخ فى الصور فإذا هم من الأجداث الى ربهم ينسلون) يس : 51 .
- (خشعا أبصرهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر) القمر : 7 .
- (يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم الى نصب يوفضون) المعارج : 43 .
ونلاحظ أن الآيات الثلاث هنا لم تتحدث عن موتى، بل تحدثت عن أحياء، لأنهم في آية سورة (يس) ينسلون، وفي آية (القمر) يخرجون وأبصارهم خاشعة، وفي آية (المعارج) يخرجون سراعا، وهذا يعني أن الأجداث لم تعد قبورا، ومن هنا ندرك الفرق بين القبور والأجداث، حيث القبور هي الأماكن التي دفن فيها الموتى، وأما الأجداث فهي نفس الأماكن ولكن بعد أن بُعِث منها الموتى وعادت إليهم الحياة مرة أخرى، وهكذا يتضح لنا كيف أن القرآن الكريم يراعي الدقة في التعبير بألفاظ مختارة بعناية كبيرة لا نجدها في تعبيرات البشر.
.
وقد أفادت الشاعرة تريتر من هذه الروح البلاغية العظيمة في القرآن الكريم، في حديثها الشعري المعبر، عندما ذكرت أن قيامتها قد اقتلعت محاورها كاقتلاع الأجداث من خلف ندى الحياة والبعث.
.
ثم تواصل حديثها عن عوالم الموت بروح يملؤها التحدي والشموخ قائلة:
أنا لن أموتَ
ولن أريكَ خزائِنِي
حتى تقسِّمَ لهفتي ميراثَا
.
ومن أروع ما ابتكرته من صور تعبيرية في هذا النص صورة اللهفة التي يمكن أن تجمع في خزائن الروح، وتصبح ميراثا مذخورا للمرء من بعد موته.
.
وتتابع الشاعرة حديثها المليء بعنفوان التحدي والشموخ حينما تقول عن نفسها بأنها:
خيَّالة قلبت على مِضْمارِهَا
خيَّالَها
وتعطَّرت أحداثَا
.
وبمثل هذه التعابير المبتكرة والمتوهجة في سماء الإبداع يمكننا أن نشعر بالعطر المنتشر من أحداث الروعة وأبعادها في خيال الشاعرة، وفي روحها الحالمة والمتطلعة لاقتناص كل ما هو جميل في عالم الأحلام وفي عالم الواقع:
إترك ليَ الأحلامَ
كمْ أنزلتها
ولتنزلنَّ وإن أتت أضغاثَا 
.
.

ترجمة الشاعر السوداني: عبد الله حسن كردي


سيرة الشاعر:

عبدالله حسن كردي.
1372-1301هـ 1952-1883م

ولد في مدينة كسلا (شرقي السودان)، وتوفي في الخرطوم بحري.
عاش في السودان.
تلقى تعليمه الأولي بمدينة «توكر»، ثم الابتدائي بمدينة «سواكن».
عمل مسّاحًا يقيس الأراضي (1906 - 1907)، ثم كاتبًا بالمراكز والمديريات، وطال عمله بالدامر وسط المجاذيب حتى أحيل إلى التقاعد (1941).
كان عضو مؤتمر الخريجين، وعمل مع الداعين للخلافة الإسلامية، وكان له نشاط في أندية بورتسودان وسواكن، وألقى عددًا من المحاضرات عن ضرورة رجعة
الخلافة الإسلامية.

الإنتاج الشعري:
- له قصائد في كتاب «شعراء السودان»، وقصائد نشرتها صحف عصره في الخرطوم، وله ديوان مخطوط جمعه الشاعر مبارك حسن خليفة.
شعره تقليدي وفير، يتميز بنفس شعري طويل إذ تزيد بعض قصائده على الثلاثمائة بيت، أكثره في مديح النبي ، وله تخميس على بردة البوصيري، يفخر في كثير من قصائده بأصله الكردي، ويكثر من تمجيد صلاح الدين الأيوبي لكرديته ولكونه رمز الجهاد في سبيل العروبة والإسلام.

مصادر الدراسة:
1 - سعد ميخائيل: شعراء السودان - مطبعة رعمسيس بالفجالة - القاهرة (د.ت).
2 - محجوب عمر باشري: رواد الفكر السوداني - دار الجيل - بيروت 1991 .
3 - محمود خليل محمد: أدباء سودانيون في دائرة الضوء - دار القومية العربية - القاهرة 1999 .



قصيدة: دمع الأسى


دمعُ الأسى في مقلتي مدرارُ 
والقلب فيه من التوجّع نارُ 
أيلذُّ مثلي بالحياة وفي غدٍ 
«لطفي» الهُمام به يسيرُ قطار؟
تَعِسَ الزمان فليس فيه مسرَّةٌ 
إلا تشوبُ صفاءها الأكدار 
ما للتنائي للنفوس مروِّعٌ؟ 
وعلامَ أيامُ الوصال قِصار؟
أَوَ كلما جمَعَ الإخاءُ بطانةً 
عملتْ على تفريقها الأقدار؟ 
هذا فتى العلياء «لطفي» بعدما 
حطَّ الرحال بدت له الأسفار
ملَّ اليراعَ فشاء يلحق جنده 
والجندُ للشهم الكريم فَخار 
لا تحسبِ الأقلامَ عنوان العلا 
إن العلا ما أثَّل البتَّار
لا يستقرّ الـمُلْك في سلطانه 
إلا بسيفٍ في شَباهُ دمار 
لو كانتِ الدولات ينفعها الغنى 
لحمى العروشَ وأهلها الدينار 
لكنها جعلت قلاعَ حصونها 
بيضَ الصفاح فخافها المغوار
يا راحلاً يزجي لمصرَ رِكَابه 
كم في الكنانة للنزيل جوار! 
سلِّمْ على قومٍ هناك أماجدٍ 
لهمُ الفضيلةُ والكمال شعار 
أهرامهم فوق السماء مكانةً 
وهمُ ميامين الورى أخيار _
في كل جامعةٍ لهم نشءٌ سما 
بذكاء فكرٍ طار منه شرار
وبكل حيٍّ للمعاهد ضجَّةٌ 
فالعلمُ بين ربوعهم أنهار 
ما فيهمُ إلا خطيبٌ مِصْقعٌ 
أو شاعرٌ لبناته أخبار 
أو ناثرٌ فحْلٌ يهزّ بكفّه 
قلمًا تكون بحدّه الأعمار
ومُنقِّبٌ جاب البلاد برحلةٍ 
فيها المجاهل دونهنَّ بحار
وفتًى نِطاسيٌّ زكيٌّ نابهٌ 
في طبِّه الغربيُّ كم يحتار! 
ومشرِّعٌ رُكْنُ القضاء بعدله 
صرْحٌ على الغبراء لا ينهار 
ومهندسٌ طولَ الحياة مفكّرٌ 
غنَّتْ بذكر حديثه الأقطار
ومسهَّدٌ في الليل يرصد أنجمًا 
فلكُ السماء بسيرها دَوّار 
أنّى يحيد الفضل عن أوطانهم 
والفضلُ ليس له سِواهم دار 
قومٌ لهم أدبُ القريض بذمّتي 
وهواهمُ بجوانحي ديَّار 
نَسَبي بهم شعرٌ نظمتُ عقوده 
والشعرُ في عُرف الكرام وقار 

من قصيدة: صبر جميل


صَبْرُ الكرام على الخطوب جميلُ 
والحادثاتُ بقاؤهنَّ قليلُ
يا آلَ عطْبرةٍ تعهّدَ حيَّكم
وبلٌ بسارية الدموع هطول
وافاكمُ والليلُ أسودُ حالكٌ 
طمَس النجومَ ظلامُهُ المسدول 
فأراعكم وتقطّعت أصواتكم 
من ضجّةٍ هي زفرةٌ وعويل 
جَرَفَ المنازل ثم طوَّح بعضَها
فإذا بها فوق الفضاء طلول 
قد ظُنَّ طوفانًا طغى أو أنه 
غرقٌ عليكم قد جناه النيل
لو كفَّ حينًا ما فُجعتم بالأسى
أو خفَّ طاب لكم هناك مَقيل
لكنما جعل السماءَ غطاءكم 
فبدا لكم بعد الثواء رحيل 
فكأنكم غرباءُ حيٍّ نازحٍ 
بمناكب الغبراء بات يجول 
أو أنكم أيتام قومٍ لم يكن 
يُرجَى لهم في العالمين كفيل 
طاف البلاءُ عليكمُ في هجعةٍ
فتنبَّه الوسنانُ وهو ذهول 
فجرى وأبصر للحروب كتيبةً
فرسانُها عند اللقاء سيول 
فغدا يحاول في سلامة طفلهِ 
والأمُّ تصرخ، والقضاء يصول
وارتدَّ يحسب أنه في غارةٍ 
ميدانها بالصافنات يَهُول
إني لأرثي إن ذكرتُ شقاءكم
والحزنُ يبعث عبرتي فتسيل
ولئن رثيتُ لكم فإن مصابكم
أبناءَ أمّي فادحٌ وثقيل 
من ذا يؤاسيكم بمالٍ في الورى 
والمحسنون من الرجال قليل 
أو من يرقُّ لكم ويرحم صبيةً 
آباؤهم صفر اليدين كُهول 
أموالكم حَكَمَ الدمارُ بسلبها 
إن الدمار على الغنيّ عجول 
والموتُ داناكم وكاد ينالكم 
لولا أُتيح ليومكم تأجيل 
سبحان من يُزْجي القضاء بأمره 
ويردّه عن خلقه فيزول 
لهفي على دورٍ هَوَتْ، بنيانها 
بالأمس فيه لساكنيه حلول 
لهفي على تلك العروش فإنها
طاحت وأقوى رَبْعُها المأهول
لهفي على مالٍ غريقٍ ربُّه
متجلّدٌ وفؤاده متبول
يا معشرَ الكرماء هل من رحمةٍ؟ 
إن الضعيف لفضلكم موكول
سكانُ «عطبرةٍ» لهم في جودكم 
أملٌ وشرُّ العالمين بخيل 
لا تتركوا المنكوب منهم صارخًا 
فصنيعكم للبائسين جميل
لو كان لي مالٌ لجدتُ به وما
عند الإله من الثواب جزيل
إني سأبذلُ ما ملكتُ وإنه
شيءٌ بجنب أخي النوال ضئيل
فليعطِ ذو سعةٍ وينفق موسرٌ 
منكم فباعُ الأكرمين طويل 

بكائيات شعرية تتحدث عن جزيرة سواكن السودانية


لم تكن سواكن مدينة عادية تندثر فيندثر ذكرها، تطمر فيطويها النسيان، افتقدها كل من مر بها، ونشأ فيها، وسمع عنها، فكم من قصيدة كتبت عن سواكن ومجدها، وكم من شاعر افتقدها وبكى عليها:

يقول الشاعر اليوناني أندرية فورياديس:

لو كان عندي يا سواكن سحر سليمان
أو كنت نبيا أو ساحرا ينطق الأحجار
لأنطقت فيك الصمت ونفضت عنك الغبار
إنني رجل مغترب أرى فيك غربة التاريخ
إنني أرى نقوشا قديمة تربطني بك
إنني لا أبكيك
ولا أبكي الأكربول أو معبد (دلف)
لكنني أذكر التأريخ
أرى بلقيس تطوف في حبات الرمل
هل يا ترى سألت نفسها عن سليمان؟!
أم الجن وعرائسه تمنعها من ذلك؟!
لقد نسيت ذلك السؤال
ويبقى التأريخ
إنه حفنة من رماد
وإن الحياة أعظم من التأريخ



سواكن الباكية

الأستاذ إبراهيم أحمد شلية

أسـألت باكية الزمان زمانها
ماذا رأى في أمسها من شأنها؟!

أقرأت في قلب الجزيرة آيـة
كتبت بمـاء العز في جثمانها؟!

هلا سمعت حديث قصر راكع
أو سـاجد يحكيك عن أحزانها؟!

حقا سـواكن كنت أنت جميلة
كوسـام مجد خط في سودانها

ولمن رآها زهـرة فواحـة
فياضـة بالحسـن في ريعانها

هي مرتع الآباء مهد صباهمو
وكم انطوى الأبناء في أحضانها

واليوم لهفي يا سواكن لا أرى
غـير التي تلتف في أكـفانها

والموج حــولك نادب فكأنه
دمع الحـزينة فاض من أجفانها

البوم ينعق في ذرا جـدرانها
فيبث فيها الرعـب بعد أمـانها

فكذا علمت الدهـر ظلا زائلا
 بزواله غـطى على عمـرانها



ذكرى سواكن

الأستاذ مبارك المغربي

هذي ســـواكن قد بدت
 مثل العروس الباليه

تختال في أســــمالها
 أسمال ماضي واهيه

والبحر في أنحـــائها
يصغي بأذن واعيه

ويضم أطراف الجـزيـ
ـرة كالرؤوم الحانيه

يا غــادة عصـــفت بها
ريح الزمان العاتيه

منــي إليـــك تحـية
رغم الأسى وسلاميه

إني وقفت عـلى البلـى
أرثي الذرى المتداعيه

وأطوف بالماضي السحيـ
ـق وبالمغاني الثاويه

أرثي لعــز زائـــل
وربوع حسن خاليه

وإذا بقلــبي فجـــأة
تسطو عليه غانيه

خرجت تتيه بحســـنها
في مشية متهاديه

تلتف في ثوب الســوا
د نضيرة متباهيه

ناديتــــها لكنها
 لم تستجب لندائيه

ومضت تشــيح بوجهها
عني وعن إعجابيه

ومضيت إثر جمــالها
إثر العيون الداعيه

يا موطن الســحر المقيـ
ـم أما شجاك غنائيه

أعلـــمت أنك في دمي
رغم الديار النائيه

هل من جديد مشــرق
 يحيي الرفات الفانيه

ويعـــيد أيام الصـبا
والفاتنات كما هيه

ويعـــيد مجدا قد يعاد
إذا العزائم ماضيه

إن كنت تذكــر وقفتي
 هذي وتذكر حاليه

فأذكر على مر الزمــ
ـان شعور نفس وافيه

لــو يفتدى ذاك التر
اث فديته بحياتيه


قد شــــفني وجد بها
ولها بذلت فؤاديه

من قصيدة: ذكرى ســـــواكـــــــــن

للشاعر مبارك المغربي


حيِّ الطلولَ الباليهْ

واسكب دموعَك غاليهْ

وتغنّ باللحن الحزيـ

ـنِ على الديار الخاويه

هذي (سواكن) قد بدت

مثلَ العروس الباكيه

تختال في أسمالها

أسمالِ ماض واهيه

والبحر في أنحائها

يُصغي بأذْن واعيه

ويضم أطراف الجزيـ

رة كالرَّؤوم الحانيه

يا غادة عصفت بها

ريحُ الزمان العاتيه

مِنِّي إليك تحيتي

رغم الأسى وسلاميه

إني وقفت على البِلى

أرثي الذّرا المتداعيه

وأطوف بالماضي السحيـ

ـق وبالمعاني الثاويه

أرثي لعزّ زائل

وربوع حسن خاليه

وإذا بقلبي فجأة

تسطو عليه غانيه!

خرجت تتيه بحسنها

في مشية متهاديه

تلتف في ثوب السو

اد نضيرة متباهيه

ناديتُها لكنها

لم تستجب لندائيه

ومضت تشيح بوجهها

عني وعن إعجابيه

ومضيت إثر جمالها

إِثْرَ العيون الداعيه

خبَّرتُها أني فتى

عفٌّ يصوغ القافيه

شعري يزين بهاؤه

سحرَ الوجوه الباهيه

فتبسمت وتقدمت

مني بنفس راضيه

الحسن ملءُ إهابها

والوجد ملء إهابيه

وسألتها في لهفة

عما بها عما بيه؟!

فرنت وقالت: إنني

أدعى ـ فديتك ـ (آسيهْ)

قَوْمي! ومَنْ قَوْمي سوى

أهل القلوب الجافيه؟!

قد خلَّفونا ها هنا

مثل الزهور الذاويه

انظر إلى هذي الطلـ

ـو
ل وكم بها من غانيه

بالأمس كانت جنة

فيها العيون الجاريه




قصيدة سواكن


الشاعر عالم عباس


صمتت

مثل انقشاع الموج عن وجنة صخره

همسةٌ

 ثم حفيف ناعم يمسح الطحلب عنها

ويعرِّيها لأعراس الظهيرة

حين مالت عندها الجدران تصغي لمناجاة المياه

كان همس البحر يبدو خافتا جدا

 فما اسطاعت

تداعت وهي تصغي

عبثا تصغي لهمسات المياه

طُفْتُ في حاراتها الملحيَّة الصخر

أناديها

لم يجبني في أزيز الصمت من خلو المساكن

غير صوت واهن البحة في حزن مقيم

(صب دمعي وأنا قلبيَ ساكن)

(حار فراقك نار يا سواكن)

كلما أوغلْتَ في البحر

ترى المرجان سد الأفقا

كاسحا ما زال

سَدَّ البحر

سَدَّ العمق

جيشا لجبا يزحف

وجه البحر يبدو لازورديا

 وصياد ينادي الموج ريثا

قبلما ترتحل الشمس وتنأى في الأصيل

وعظام نخرات وبقايا

يهبط الليل عليها

ثم تمتد ستارات الدجى الهائل

تحويها

تغطي ما تعرت في سكون أزلي

موحش الصمت مُهيل

أيها الرمل الذي انصب على جفنيَّ

والبحر استقام

كم تقوقعت سنينا في ضمير الصدف النائم

لكن الركام

جَرَّحَ اللؤلؤ في قلبي وفي جرحيَ نام

ثم صار الجسد المطمور وردًا

واستحال الورد يمشي في الزحام

غير أن الملح غطاه وغطى الورد

والدرب وفي البحر أقام

لم تكن أطلال سُعْدى تلك

لم يستوقف الباكي أحَدْ

أقفرت من أهلها الدار فما ثمة رد

لسؤالي

ربما يحمله عني الصدى

في غد أو ربما في بعد غد

كان لي في هذه الأنحاء دار

وأحباء وأهلون وجيران وقد

عصف الدهر بهم فانقرضوا

ثم قد

نلتقي يوما وقد

الجزيرة

وهي تستلقي على الأصداف والكوكيان

والشط العتيق

منسي

بعض السمات الإيجابية والسلبية للشخصية السودانية - للكاتب: إسماعيل إبراهيم





الشخصية السودانية:

الإنسان السوداني إنسان أصيل ، بسيط بطبعه ، له شخصيته التى تميزه عن باقي الشعوب في العالم فهو مزيج من حضارة ضاربة بعمق في جذور التاريخ وتنوع إثني ،عرقي ، ثقافي ، إجتماعي ثر قل أن يوجد مثيله في العالم.

حيث تمازجت كل تلك المكونات لتشكل لوحة إبداعية فريدة من نوعها وتخرج شخصية مميزة بكل المقاييس ، قادرة على التأقلم مع كل الظروف البيئية ، قادرة على الإبتكار والتفرد.

وكما هو معروف أن لكل شخصية إيجابيات وسلبيات فإننا سنتعرض لبعض النماذج البسيطة لتلك الصفات بالنسبة للشخصية السودانية وهي على سبيل المثال لا الحصر:

بعض الصفات الإيجابية التى تميز الشخصية السودانية:

الكرم: هو أحد الصفات الإيجابية الرائعة في الشخصية السودانية ، حيث أشتهر السودانيون منذ القدم بالكرم والبشاشة والإيثار ، وهو جزء لا يتجزأ من الموروثات الثقافية السودانية على إختلاف المناطق الجغرافية السودانية، إختلاف العادات، التقاليد والثقافات المتعددة.

الطيبة: وهي إحدى اروع الصفات التي تميز الإنسان السوداني وهي صفة فطرية تظهر في تعامل الناس مع بعضهم البعض تتجلى في التسامح ومساعدة الآخرين احترامهم ولا يعكر صفوها بعض الشواذ من الهنات هنا وهناك.

الشجاعة: تعد الشجاعة والأقدام من أهم صفات السودانيين على اختلاف مشاربهم وتنوع اثنياتهم العرقية والثقافية المتمازجة والممتدة وهو ما يظهر عند الشدائد وقد تغنى بها الشعراء في مختلف الحقب والعصور.


وحتى تكتمل الصورة فعلى الجانب الآخر هناك
بعض الصفات السلبية التى تؤثر على الشخصية السودانية:



رمي الاوساخ في الاماكن العامة: من الملاحظ أن الكثير من الناس لا يهتمون بنظافة الاماكن العامة ويقومون برمي نفاياتهم من أوراق ، قوارير، مناديل وغيرها دون إهتمام بنظافة البيئة ودون إكتراث بنتائج هذا التصرف الذي قد يعود بالكثير من النتائج السلبية.

الاهتمام الشائعات: حيث أن معظم الناس يهتمون بتناقل الأخبار والشائعات عبر ما يعرف بـ "الشمارات" والاشكالية الحقيقية في هذا الأمر هي النقل الزائد والكاذب للأحداث والذي يجد الكثير من الناس متعة في ممارسته حيث يعد من أسوأ الصفات على الإطلاق وتكون له نتائج كارثية على المجتمع تولد الكثير من المشاكل التي تؤدي إلى شروخ عميقة تضر أكثر مما تنفع.

التقليدية: بطبيعة الحال المجتمع السوداني مجتمع تقليدي في معظمه تتشابه عاداته وتقاليده وان اختلفت مكوناته النسيجية -وانا هنا بالطبع لا أقصد العادات والتقاليد الإيجابية - حيث أن هناك الكثير من العادات التى أصبحت لا تواكب عالم اليوم وهي موروثات ضارة يجب التخلص منها كما هو الحال مع بعض طقوس الأفراح والاتراح ، الثقافة الاستهلاكية للأفراد ، طريقة تقديم أنفسنا للآخرين وهذا مثالا لا حصرا.

ما دعاني لكتابة هذة السطور هو الوضع الغريب الذي نعيشه الآن في السودان حيث تأملت أن معظم المغتربين خارج البلاد بهم نسبة كبيرة جدا من المبدعين والمميزين في شتى المجالات وفي نفس الوقت تعاني بلادنا الامرين ولم نستطيع النهضة بها وتطويرها حتى الآن لذلك فإنه يجب أن نعمل على تثمين الصفات الإيجابية والجميلة التى تتميز بها الشخصية السودانية وأن نعمل على المحافظة عليها من الإندثار وتطويرها لتواكب التطور الطبيعي للحياة، وأن ننشرها بقدر المستطاع.

وكذلك يجب أن نجد الحلول والمعالجات لبعض الصفات السلبية في الشخصية السودانية ونحاول التخلص منها أو تحويلها إلى صفات إيجابية تسهم في تطورنا كأفراد وكدولة سودانية عظيمة.